في القرب والبعد.
وأنشد :
وما في الدهر أشقى من محبّ |
|
وإن وجد الهوى حلو المذاق |
تراه باكيا في كلّ حين |
|
مخافة فرقة أو اشتياق |
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم |
|
ويبكي إن دنوا خوف الفراق |
فتسخن عينه عند التباني |
|
وتسخن عينه عند التلاقي |
وقيل : (إِنِّي سَقِيمٌ) شائق إلى لقاء الحبيب (١).
(وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١))
قوله تعالى : (وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (٩٩) : لما حصر صدره من معاشرة الحدثان ، وضاق قلبه في محل الامتحان ، واشتاق سره إلى مشاهدة الرحمن ، قال إني ذاهب مني إلى ربي ، أي : إني أخرج من الحدثان إلى عالم العرفان ، أسير في بيداء الأزل إلى الأبد ، سيهديني ربي طرق الذات والصفات ؛ فأكون فانيا فيه باقيا به معه.
قال الخراز : لما فني الموجود وانقطع القدرة ثبت المشهود بلا شاهد قال : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) ، بالرجوع عما سواه ، فلا ذاهب في الحقيقة إليه إلا من أعرض عن الأكوان وما فيها ، فمن بقي فيه ذرة من الكونين يكون ذهابه لعلة.
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢))
قوله تعالى : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) : لما استوى الولد خلة أبيه وكل حقائقه صار أهلا لقربان الحق ، وفداء كشف جماله ، وذلك أيضا محل امتحان الخليل به ؛ فإنه لما وجده أهل الحق استأنس به ، فغار به الحق ، وأراد أن يتجرد سره من الغير حتى لا يبقى بين الخليلين شيء من الحدثان.
قال ابن عطاء : لما سعى في الطاعة سعيه وقام بحقوق الله حسب ما رضي به الخليل وقرت عينه بقيامه بحقوق مولاه أنس الخليل به ، وفرح بمكانه ، فقيل له اذبحه فإنه لا يصلح
__________________
(١) فأوهم أن مراده أنه مريض الجسد وأراد أنه مريض القلب سبب آلهتهم ، مقسم الفكر في أمرهم لأنه يريد أمرا عظيما وهو كسرها ، ومادة «سقم» بتقاليبها الخمسة.