مغيبات الغيب بنظر الغيب.
قال القاسم : الاطلاع اطلاعان : اطلاع التخصيص فيه الحياة والبقاء ، واطلاع التخصيص فيه الفناء والهلاك.
(إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧))
قوله تعالى : (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (٨٤) : جاء ربه بقلب محبّ مملوء من شوق الله منقاد لأمر الله ، ومراد الله فار منه إليه ، سالم مما دون الله من العرش إلى الثرى ، مقدس من شوائب الطبيعة ، قيل أي : مستسلم مفوض في كل حال إلى ربه ، راجع إليه بسره لا تتخالّه الأكوان بما فيها.
سئل الجنيد بم ينال سلامة الصدر؟ قال : بالوقوف على حق اليقين.
(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨))
قوله تعالى : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) (٨٨) : لما طلب القوم من الخليل عليهالسلام المطايبة والعيش النفساني من قلة معرفتهم بحاله فأخرج غرائب معاني العشق والمحبة في صورة العلم التي يكون حجة عليهم وامتناعه من صحبتهم لأنسه بالله ، فحكى الحق سبحانه عنه : (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) ، وهذا إشارة يعني طالع أنجم الصفات التي تطلع من مشارق الذات ، أي : شاهد جمال القدم ، واستغرق في بحر المحبة ، فأخبر عن آلام لدغات حيات المحبة والمودة التي أسقمته بدائه ، (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (٨٩) : سقيم مشاهدة الأزل ، ومريض جمال الأبد ، ولا أقدر أن أشتغل بسواه ، وإني أطلب مداواة سقمي ممن أسقمني.
قد لسعت حية الهوى كبدي |
|
بلا طبيب لها ولا راقي |
إلا الجيب الذي شغفت به |
|
فعنده رقيتي وترياقي |
قال ابن عطاء : (إِنِّي سَقِيمٌ) مما أرى من مخالفتكم وعبادتكم الأصنام.
قال بعضهم : إني سقيم القلب ؛ لفوت مرادي من خليلي ؛ فإن الحبيب أبدا سقيم القلب