وهو روح مكنه من صحبته وآثر قربه.
وقال أيضا : الجسم يستحسن المستحسنات ، والروح واحدية فردانية ، لا يستحسن شيئا لسقطه أبدا.
وقال ابن عطاء في قوله : (ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) : قوّمه بفنون الآداب ، ونفخ فيه الروح الخاص الذي فضّله على سائر الأرواح لما كان له عنده من محل التمكين ، وما كان فيه من تدبير الخلافة ومشافهة الخطاب (١).
قال الأستاذ : أحسن صورة كل أحد ، فالعرش ياقوتة حمراء ، والملائكة أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع ، وجبريل طاوس الملائكة ، والحور العين كما في الخبر من جمالها وشكلها ، والجنان كما في الأخبار ونص القرآن ، فإذا انتهى إلى الإنسان قال : (خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) ، ولكن (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) [التوبة : ١١٩] ، و (خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) ، ولكن قال : (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ.)
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤))
قوله تعالى : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) : قطع مشيئة الخلائق عن مشيئة الأزل ، ولو أراد أن يكون كلهم عارفين به يكون ؛ ولكن وقع خاصية الأنبياء والأولياء بنعت الاصطفائية من إرادته ، ووقع الأضداد من إرادته سابق لطفه لأهل لطفه ، وسابق قهره لأهل قهره.
قال ابن عطاء : لو شئنا لوفقنا كل عبد لطلب من مرضاتنا ، ولكن حق القول بالوعد والوعيد ليتم الاختيار.
وقوله تعالى : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١٣) : إن جهنم فم قهره انفتح ليأخذ نصيبه ممن له استعداد مباشرة القهر ، كما أن الجنة فم لطفه ، انفتح ليأخذ من له استعداد مباشرة لطفه ، فاللطيف يرجع إلى اللطيف ، والكثيف يرجع إلى الكثيف ، لذلك مضى القسم في الأزل في الوعيد ؛ لأن الحدث لا ينفك عن حظ القدم فالعارف الصادق إذا
__________________
(١) أضافه إلى نفسه ، تشريفا ، إشارة إلى أنه خلق عجيب ، وأن له شأنا ومناسبة إلى حضرة الربوبية ، ولذلك قيل : من عرف نفسه عرف ربه. وقد تقدم في سورة الإسراء ، في الكلام على الروح ، وجه المعرفة منه. البحر المديد (٥ / ٥١).