أن أمر العباد في العبودية يكون بمشيئته وإرادته لا لغيره مدخل في تدبير العباد بقوله : (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ) ، ينزل الوحي إلى حبيبه صلىاللهعليهوسلم بواسطة أخيه جبريل عليهالسلام لنظام الشريعة وانتظام الحقيقة والطريقة لا لطبع البشر ومقالة أهل البدع ، فيه أثر والإشارة فيه أن تدبير العباد عند تدبيره لا أثر له إذا أراه العباد في قضائه وقدره منفسخة ؛ إذ تدبيره إرادته وإرادته مشيئته المقرونتان بالعلم الأزلي الذي لا يشوبه علل الحدثان.
قال سهل : طوبى لمن رزق الرضا بتدبير الله له ، وأسقط عنه سوء تدبيره ، ورده إلى حال الرضا بالقضاء والاستقامة في جريان المقدور عليه أولئك من المقربين.
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩) وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١) وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢))
قوله تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) : أوجد الأشياء بأمره ، وألبسها نور أمره ، وأحسن خلقها بحسن فعله ، لا يدخل نقص القبح في أفعاله ؛ لأنه أحكمها وركبها ودبرها بعلمه الأزلي وجلاله الأبدي ، ولا يرجع إليه علة فالقبيح قبيح من جهة الامتحان ، وحسن من حيث صدر من أمر الرحمن ، ذكر الحسن في جميع الأشياء ، ولم يذكر ههنا في الإنسان ، ثم قال : (وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) (٧) ، وهو معدن الخصوصية المستعدة لمباشرة صفته بقوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] ، ثم ذكر تسويته بكمال الصفة بقوله : (ثُمَّ سَوَّاهُ) : سوّاه بتجلي أنوار جميع صفاته حتى صدرت صورة آدم من الغيب منعوتا بأنوار الصفات ومتصفا بسناها ، ثم ذكر أخصّ الخصائص ، وهو ما سقط من حسن تجلي ذاته في صورته بقوله : (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) ، حتى يكون مجموعها مشكاة أنوار الذات والصفات ، ويفيض الحسن من آدم إلى العالم ؛ لأنه المعدن الثاني من الحسن ، والمعدن الأول من الحسن حسن الأزل ، فأي حسن يبقى في حسن آدم وذريته ، ذكر حسن الأشياء ، ولم يذكر ههنا حسن غيره ؛ لأنه موضع محبته واختياره الأزلية ، كقول القائل :
وكم أبصرت من حسن ولكن |
|
عليك من الورى وقع اختياري |
قال الواسطي في قوله : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) أي : روح اخترته على الأرواح ،