كان في جهنم فإن جهنم له مأوى قهره ، وقهره مأوى لطفه ، ولطفه مأوى أنوار جوده وجوده ، مأوى أنوار وجوده فيرى مقصوده في العذاب كما كان أيوب عليهالسلام يرى رؤية المبلي في بلائه.
سئل الشبلي عن هذه الآية ، فقال : يا رب أملأها من الشبلي ، واعف عن عبيدك ليتروح الشبلي بتعذيبك كما يتروح جميع العباد بالعوافي.
(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥))
قوله تعالى : (إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً) : وصف الله سبحانه أهل معرفته الذين إذا سمعوا خطابه سقطوا على وجوههم في جناب كبريائه وعظمته حبّا له وشوقا إليه ، ولا يكون هذا إلا وصف الوالهين من عشقه ، الصادقين في توحيده ومعرفته.
قال القاسم : إذا وعظوا بها خرّوا سجّدا عند أوقاته ، وذلك صفة المؤمنين ، ومن أبى ذلك في أوقاته لا يلحقه اسم الإيمان ولا وسمه.
(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧))
قوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) : وصف سبحانه أهل ودّه ومحبته وعشقه وشوقه الذين إذا ناموا ناموا بالحق من كمال سكرهم ، وإذا انتبهوا من ركضة آلام حزن فوت وصاله ولذيذ مناجاته ، فانصرفت جنوبهم عن مضاجعهم بغير اختيارهم كأن الأرض ألقتهم من نفسها ، وذلك مما ينكشف لهم من أستار الملك والملكوت ، ويظهر لهم أنوار مشاهدة الحق ويفتح لهم أبواب قربه ووصاله ، ثم زاد في وصفهم بقوله : (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) ؛ خوفا من هجرانه وإجلالا لجلاله وطمعا في وصاله ، (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) : يعني يبذلون أرواحهم وأشباحهم لله ، ثم ذكر ما يجازيهم من جمال قربه وكشف لقائه بقوله : (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) : قرة أعينهم أنوار جماله وجلاله ، وذلك جزاء احتراقهم في حبه بقوله : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ.)
قال سهل في قوله : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) : إن الله وهب لقوم هبة ، وهو أن أذن لهم في مناجاته ، وجعلهم من أهل وسيلته وصفوته وخيرته ، ثم مدحهم على ذلك إظهارا لكرامته بأن وفّقهم بما وفّقهم له فقال : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ.)
وقال ابن عطاء : جفت جنوبهم وأبت أن تسكن على بساط الغفلة ، وطلبت بساط