نُورُ) ، وإذا رأيت نور هذه الشجرة رأيت نور الصفة ، وإذا رأيت نور الصفة رأيت نور الذات ، وإذا رأيت نور الذات رأيت عين العين ، وإذا رأيت الصفات رأيت العين ، وإذا رأيت الفعل رأيت عين الجمع ، وإذا رأيت عين الجمع رأيت الكون مرآة الفعل يظهر منها أنوار الذات والصفات لمن له استعداد النظر إلى مشاهدة القدم بنعت الاصطفائية الأزلية (١) ، وذلك قوله سبحانه وتعالى :
(يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) حتى تعرف بهذا المثال ظهور نعوت القدم في مرآة الكون لأهل الكرم من العارفين ، قال الله : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ) وهو باختصاصهم عليهم بقوله : (وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (٣٥) عليم بكلّ مثل وعبر وبرهان وسلطان.
وأيضا فيه إشارة أخرى في قوله : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أراد بالسماوات والأرض صورة المؤمن رأسه السماوات وبدنه الأرض ، وهو بجلاله وقدره نور هذه السماوات والأرض ، إذ زين الرأس بنور السمع والبصر والشم والذوق والبيان في اللسان ؛ فنور العين كنور الشمس والقمر ، ونور الأذنين كنور الزهرة والمشتري ، ونور الفم والأنف كنور المريخ وزحل ونور اللسان كنور العطارد ، وهذه السيارات النيرات تسري في بروج الرأس ، ونور أرض البدن الجوارح والأعضاء والعضلات واللحم والدم والشعرات وعظامها الجبال ، وترى أنور الله لهذه السماوات والأرضين منورة بنور فعله ، وفعله منّور بنور أسمائه ، وأسماؤه منورة بنور صفاته ، ونور صفاته منور بنور ذاته ، وذاته نور الكل إذا الكل قائم بذاته ، فنور ذاته ونور صفاته لا يضاهى الأنوار ؛ لأن نوره منزه عن المشابهة بالأنوار ؛ فمن نوره الشجر والثمر ، ومن نوره الصدف والجوهر ، ومن نوره الذهب والفضة ، ومن نوره الدر والياقوت ، ومن نوره العرش والكرسي والجنة وما فيها ، ومن نوره السماوات
__________________
(١) قال المصنف : وذلك النّور في مشكاة القلب ، ولهو مصباح يزيد نوره بدهن العقل في قنديل الفؤاد ، يتلألأ من صورة الإنسان ، ويبرز منها أنوار الربوبية ، وذلك الدّهن لا من شرق ملكوت الأرض ، ولا من غرب ملكوت السماء ، إنما هو يخرج من برق سنا شجرة قدس القدم ، يكاد أن يضيء بنفسه قبل تجلي القدم ؛ لأنه نور صدر من الفعل الخاص ، ولو لم تمسسه نيران أنوار الكبرياء ، لكن غلب نور القدم على نور الحدث ، نور على نور وما وهب الحق ذلك النور إلا من اصطفاه الله بما اصطفى آدم ونوحا وموسى وعيسى وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وزكريا ويحيى ومحمدا ـ صلى الله عليهم أجمعين ـ يهدي الله لنوره من يشاء. فبان لك بهذا البيان الشافي سبب وجود الإنسان ، وشرفه على جميع البرية. انظر : تقسيم الخواطر : (ص ١٢١) تحت الطبع بتحقيقنا.