إلّا أنّ المدح والذم اللذين يترتب عليهما حفظ النظام عند العقلاء ما يعم الثواب ، والعقاب ، أعني : المجازاة بالخير والمجازاة بالشر ـ إلى أن قال : ـ اتضح من جميع ما ذكرنا انّ ما يستقل العقل بحسنه أو قبحه ، وإن لم يمكن الحكم من الشارع على خلافه ، لكنّه لا يعقل أن يحكم مولوياً على وفاقه أيضاً ، بل يحكم بحسنه أو قبحه على حدّ سائر العقلاء.
ثمّ إنّه (قدسسره) عطف على العدل والظلم ، الصدق والكذب ، فحكم بأنّ الحكم المولوي بالإضافة إلى الصدق والكذب بذاته ـ أي لو خلّيا وطبعهما أو بعنوان معلوم الحسن والقبح عند العقلاء كذلك ، لأنّ الصدق والكذب من حيث نفسهما عدل في القول ، وجور فيه وقد عرفت حال العدل والجور وكذا الصدق المعنون بعنوان إهلاك المؤمن ، ظلم عليه ، والكذب المنجي له إحسان إليه فحالهما حال العدل والظلم. (١)
يلاحظ عليه : أوّلاً : أنّه قد مرّ في الأمر الخامس من مقدّمات البحث انّ للملازمة تفسيرات ثلاثة ، أعني : به كلّ ما حكم به العقل ، حكم بمثله الشرع أو يحكم بعينه الشرع ، أو هو عين حكم الشرع وقد مرّ الفرق بين الأقوال فلو صحّ ما ذكره فإنّما يتوجه على التفسيرين الأوّلين دون الثالث إذ عليه انّ هناك إدراكاً واحداً ، وحكماً وحاكماً فارداً. وهذا أيضاً أحد الأقوال فتثبت الملازمة إجمالاً.
وثانياً : أنّ للعقل في ما يرجع إليه من القضايا إدراكاً أوّلاً ، وحكماً ثانياً ولا يغني الأوّل من الثاني ، وقد ورثنا هذه النظرية من سيدنا الأُستاذ (قدسسره) حيث كان يقول : إنّ للعقل وراء الإدراك في مجال الأحكام العملية ، حكماً. وعلى ضوء ذلك فالمدرَك وإن كان عاماً ، لا يعرف لشموله حدّاً ، فهو أدرك ما يدركه كل موجود حيّ مختار ، من غير فرق بين الخالق والمخلوق ، ولكن حكمه لا يعدو نفسه ، إذ حكم الحاكم لا يتجاوز عن دائرة نفسه ، بمعنى انّ الحكم حكمه ، لا حكم
__________________
(١) نهاية الدراية : ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٠.