غيره سواء كان إنساناً أو غيره ، ومثله لا يكون مغنياً عن حكم الله سبحانه إلّا إذا كان اتخذ العقل لنفسه موقف الكاشفية عن حكم سائر العقلاء وخالقهم ، وعندئذ يصلح للدلالة إلى حكم الشرع ، والدلالة إلى حكمه فرع وجوده ، فما لم يكن هناك حكم من الحيّ المختار الواجب ، لما كان للدلالة وجه وللكاشفية معنى. وعليه لا يغني حكم العقل عن حكم الشرع ، فيكون الملاك باقياً لحكمه.
ثالثاً : أنّ حكم العقل والعقلاء في مجال التحسين والتقبيح لا يتجاوز عن الإعجاب والمدح والذم في حدّ اللسان والبيان وأمّا الإثابة والعقوبة فهو خارج عن إطار حياتهم ، وإنّما هما من شئون المولوية والعبودية فالمولى هو الذي يعاقب أو يثيب استحقاقاً أو تفضّلاً ، أو استحقاقاً في العقوبة وتفضّلاً في المثوبة على الخلاف في كيفيتهما.
وعلى ذلك فالحقّ ما ذكره أخيراً من أنّ كثيراً من الناس لا يبعثهم المدح والذم إلى الإتيان بالواجب وترك المحرّم ، بخلاف ما إذا ترتّب عليهما الثواب والعقاب وعندئذ تمسّ الحاجة إلى البعث والزجر الناشئين من الإرادة والكراهة ، مباشرياً ، أو بواسطة كشف العقل.
وإن شئت قلت : إنّ موقف العقل في إدراكه وحكمه ، موقف المدرك الناصح المرشد ، وليس هناك من المولوية والعبودية أثر ، فلا يترتّب لهذا الحكم أثر شرعي سوى ما يدركه نفس الإنسان من المدح والذم وهذا بخلاف الحكم الصادر من الشارع ، فانّه يصدر ممّن له المولويّة ، وقد أصدر الأمر بما له هذه الخصوصية.
ورابعاً : كيف يمكن عطف الصدق والكذب على العدل والظلم ، والقول بأنّه لا يتعلّق بهما الأمر والنهي ، مع كون السنّة بل الكتاب مشحونين بتعلّق البعث والزجر بهما. ونحن في غنى عن ذكر النماذج فضلاً عن البسط في الكلام.