من الغير (كما إذا كان عدواً) إلى حدّ ، بل نكرهه وإن كان مستحقاً للتحسين لو فعله.
ويشهد على هذا أنّه كثير ما يختار العقلاء فعل القبيح وترك الحسن ، والسرّ هو أنّ الداعي الذي هو سبب الإرادة ، يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص وغلبة الشهوات والتفاوت في الملكات وملاحظة نظام الكائنات.
فإن قلت : هذا في العقلاء وأمّا الخالق تعالى شأنه ، لأجل أنّ الإرادة والكراهة فيه تعالى ليس إلّا علمه بمصلحة الفعل ومفسدته ولا حسن ولا قبح إلّا بالمصلحة والمفسدة.
قلت : إنّ علمه تعالى ليس بحسب المصداق إرادة تشريعية موجبة لبعث العباد نحوَ المراد ، وذلك لإمكان اجتماع علمه بها مع ما يمنع عقلاً عن البعث والزجر كما في صورة مزاحمة ما فيه المصلحة الملزِمة ، بما كان أهم منه لقبح البعث حينئذ إلى غير الأهم ، وكذا البعث إليهما ، أو لعدم الاستعداد بعدُ في العباد لقرب عهدهم من الإسلام بحيث يوجب بعثُهم وحملُهم على جميع الأحكام ، النفرةَ عن الإسلام ، أو لسبب لا نعرفه كما في الصبيّ الذي نطعت (١) قريحته وحسن زكاه ، ضرورة انّ أفعاله ذات مصلحة ومفسدة مع أنّه من المعلوم بالضرورة انّه لا يتعلّق بها زجر وبعث شرعاً حقيقة.
ثمّ استنتج ممّا ذكره :
١ ـ جواز خلوّ الواقعة عن الحكم الشرعي كما في الصبيّ والمجنون مطلقاً وكافة الناس في صدر الإسلام في الجملة لما عرفت من أنّ حسن شيء وقبحه لا يكون داعياً إلى فعله وتركه كما يريده أو يكرهه ، وما لم يكونا بمجردهما داعيين لم تكن ملازمة بينهما وبين التحريم والإيجاب بمعنى الكراهة والإرادة اللتين هما روح الخطاب ويكونان منشأين لانتزاع البعث والزجر أو التحريم والوجوب.
__________________
(١) تحذَّقت.