ما يرجع إلى أنّ حسن التكليف لا يدل على حسن الفعل ، وبين ما يرجع إلى أنّ العلم بالمصالح والمقتضيات لا تصلح ، لأن يقع دليلاً على استنباط الأحكام ، وقد عرفت خروج المسألتين عن موضوع الكلام في المقام. وإليك الكلام في ما بقي
ه ـ : الصبي المراهق إذا كان كامل العقل ، لطيف القريحة تثبت فيه الأحكام العقلية في حقّه كغيره من الكاملين ، ومع ذلك لم يكلّفه الشارع بوجوب ولا تحريم لمصالح داعية إلى ترك تكليفه بهما من التوسعة عليه.
يلاحظ عليه بوجوه :
١ ـ نلتزم بثبوت الأحكام الشرعية في حقه النابعة من الأحكام العقلية كحرمة الظلم ، ووجوب ردّ الأمانة ولو عصى وارتكب لم يكتب كما هو الحال في المكلّف بالنسبة إلى المعاصي الصغيرة إذا اجتنب الكبائر قال سبحانه : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ). (النساء / ٣١)
٢ ـ إنّ الكلام فيما إذا كان الحسن علّة تامّة للتكليف ولم يكن مقروناً بمانع أو مبتلى بمزاحم ، وليس المقام كذلك ، فإنّ المصلحة العامّة أوجبت أن يكون حدّ البلوغ هو السنّ الخاص ، فلا يكلّف ما لم يبلغ ذاك النصاب وإن صلح للتكليف لأجل توقّده ، وذلك لأنّ تعليق التكليف على الصلاحيات الفردية يوجب الفوضى في عالم التكليف ، ولأجل إيصاد هذا الباب ألغى الصلاحيات الفردية واكتفى بالسن في البنين والبنات وعلى ضوء ذلك لم يكن محيص ، عن عدم الاعتداد بالذكاء الشخصي وإن كان صالحاً للتكليف ولم يكن الحسن في المقام علّة تامّة للتكليف.
٣ ـ إنّ المقام ليس من فروع الحسن والقبح ، بل من قبيل إحراز المصالح للتكليف ، وقد قلنا إنّ العقل أقصر من أن يحيط بالمصالح في المفاسد ، ويصحّح من مصادر التشريع بهذا المعنى كما لا يخفى.