بعضها قبحاً يحكم بلزوم تركه ، وقد يجوِّز الترك في بعضها والفعل في بعضها هكذا ، فكذلك من الواضح انّه يدرك انّ بعض هذه الأفعال ممّا لا يرضى الله بتركه ويريده من عباده ، بعنوان اللزوم ، وبعضها ممّا لا يرضى بفعله ويريد تركه بعنوان اللزوم ، وانّها ممّا يستحق بها عن الله المجازاة إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ ، ولازم ذلك انّه تعالى طلب منّا الفعل والترك بلسان العقل.
فكما انّ الرسول الظاهر يُبيّن أحكام الله ومأموراته ومنهيّاته ، فكذلك العقل يبيِّن بعضها ، فمن حكم عقله بوجود المبدئ الحكيم القادر ، العدل الصانع العالم ، يحكم بانّه يجازي العبد القويّ بسبب ظلمه على العبد الضعيف ، بالعقاب ، وكذلك الودعيّ الذي ائتمنه عبد من عباده لا سيما إذا كان ذلك العبد محتاجاً غاية الاحتياج ، بسبب ترك ردها إليه ، ويجازي العبد القويَّ الرفيع ، برأفته على العبد الضعيف العاجز المحتاج ، بالثواب فلو لم يكن نهانا عن الظلم وأمرنا برد الوديعة ، ولم يكن الظلم وترك الرد مخالفة له ، لما حكم العقل بمؤاخذة الله وعقابه ، فانّ القبح الذاتي يكفي فيه محض استحقاق الذم ، فيثبت من ذلك انّ الظلم حرام شرعاً وردّ الوديعة واجب شرعاً.
وما توهم بعض المتأخّرين تبعاً لبعض العامة من «انّ حكم العقل هو محض استحقاق المدح والذم لا ترتب الثواب والعقاب أيضاً الذي هو لازم حكم الشرع ، فلم يدل الحكم العقلي على الحكم الشرعي» ، فهو مبني على الغفلة عن مراد القوم من الحكم العقلي ، وحسبان انّ حكم العقل إنّما هو الذي ذكروه في مبحث ادراك العقل للحسن والقبح قبالاً للأشاعرة المنكرين لذلك ، وقد عرفت أنّ العقل يحكم بأزيد من ذلك أيضاً.
مع أنّ المستفاد من الأخبار الواردة في العقل والجهل أيضاً هو ذلك وانّه ممّا يثاب ويعاقب وأنّه ممّا يكتسب به الجنان وغير ذلك.
مع أنّه يمكن أن يقال ـ بعد ما ثبت انّ لكل أمر من الأُمور حكماً من الله