وانّه لا ملازمة
بينهما. والمعتزلة لا ينكرون انّ الله تعالى هو الشارع للأحكام ، وإنّما يقولون :
إنّ العقل يدرك انّ الله تعالى شرّع أحكام الأفعال بحسب ما يظهر من مصالحها
ومفاسدها فهو طريق عندهم إلى العلم بالحكم الشرعي ، والحكم الشرعي تابع لهما لا
عينهما ، فما كان حسناً ، جوّزه الشارع وما كان قبيحاً منعه فصار عند المعتزلة
حكمان ، أحدهما عقلي والآخر شرعي تابع له.
ثمّ نقل قولاً آخر
وأسماه قولاً متوسطاً وهو انّه قبحها ثابت بالعقل ، والعقاب يتوقف على الشرع وهو
الذي ذكره أسعد بن علي الزنجاني وأبو الخطاب من الحنابلة وذكره الحنفية ونقلوه عن
أبي حنيفة نصّاً وهو المنصور ـ ثمّ قال : ـ إنّ هاهنا أمرين : الأوّل : إدراك
العقل حسن الأشياء وقبحها ، الثاني : انّ ذلك كاف في الثواب والعقاب وإن لم يرد في
الشرع ، ولا تلازم بين الأمرين ، بدليل (ذلِكَ أَنْ لَمْ
يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) أي بقبيح فعلهم (وَأَهْلُها غافِلُونَ) (الأنعام / ١٣١)
ومثله : (وَلَوْ لا أَنْ
تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) أي من القبائح (فَيَقُولُوا رَبَّنا
لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً ...) (القصص / ٤٧).
يلاحظ عليه :
أوّلاً إنّ البحث مركز على ما لو استقل العقل بحسن الأفعال أو قبحها فهو يلازم ذلك
ـ عند العقل ـ حكمه بالحسن والقبح أيضاً أولا ، وعليه فما نقله عن المعتزلة من أنّ
العلم بالمصالح والمفاسد طريق إلى الحكم الشرعي ، كأنّه خارج عن محيط النزاع.
وبعبارة أُخرى ليس
النزاع فيما إذا وقف العقل على مصالح الأحكام ومفاسدها وملاكاتها وانّه هل يلازم
ذلك ـ عند العقل ـ حكم الشارع أيضاً على وفقها أو لا؟ بل النزاع فيما إذا استقل
بحسن فعل أو قبحه ، وانّه هل يلازم حكم الشارع بهما أيضاً أو لا ، وبين الموضوعين
بون بعيد ، والقول بالملازمة في الجهة الثانية لا يلازم القول في الأُولى لما تقرر
في محلّه من انّه لا سبيل للعقل بما هو عقل
__________________