إلى إدراك جميع ملاكات الأحكام الشرعية (١) ، إذ يحتمل أن يكون المناط لحكم الشرع غير ما أدركه العقل ، أو انّ هناك مانعاً يمنع من حكم الشارع على وفق ما أدركه العقل وإن كان ما أدركه مقتضياً لحكم الشرع. وقد عرفت حق القول قبل نقل كلام الزركشي كل ذلك يصيد الفقيه من حصول القطع بالمناط الذي هو السبب التام للحكم الشرعي.
وثانياً : أنّ طرف الملازمة بعد حكم العقل بالحسن والقبح ، هو حكم الشارع بهما. لا الثواب والعقاب ، كما هو لائح من كلامه ونقضه وابرامه ، نعم بعد ثبوت الملازمة وثبوت حكم الشرع بهما ، يترتب عليه العقاب أو الثواب لمخالفة حكمه أو موافقته.
وثالثاً : لا دلالة لما استدل به من الآيات على كونهما متوقّفين على خطاب صادر من الشارع ولا يكفي الحكم الاستكشافي ، وذلك لأنّ الآية الأُولى النافية للعقاب إلّا بعد بيان الشارع ناظرة إلى الغافلين من الناس بشهادة قوله : (وَأَهْلُها غافِلُونَ) ، ولا صلة لها بمن هو واقف على مراد الشارع عن طريق العقل فلا تنفي الآية صحّة العقاب لغير الغافلين ، العارفين بكون الفعل قبيحاً عند العقل وغير مرضيّ لدى الشرع.
ورابعاً : أنّ المراد من قوله : (بِظُلْمٍ) هو الشرك بدليل قوله سبحانه : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان / ١٣) وقوله سبحانه : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام / ٨٢) وليس الشرك من القبائح التي يقف عليه الإنسان بصرافة ذهنهم وإنّما يدرك قبحه ، الأفذاذ من الناس ، وغير المتأثّرين بطريق الآباء والأجداد ، وإلّا فربما يتجلّى ذلك الأمر القبيح عند المشركين أمراً حسناً ، وقد كانوا يستدلون على حسن أفعالهم بأنّهم يعبدون الأوثان ، لأجل التقرّب إلى الله سبحانه. وعلى ذلك فإناطة العقاب في
__________________
(١) إلّا المصالح والمفاسد العامّتين اللتين يتساوى في إدراكهما جميع العقلاء كما في كلام شيخنا المظفر.