فنقول : إنّ هنا مسألتين :
الأُولى : إذا استقل العقل بالتحسين والتقبيح ، ومدح المحسن وذم المسيء ، فهل يستقل بأنّ الأمر كذلك عند الشارع ، فهو أيضاً باعث إلى الإحسان ، وزاجر عن الظلم ، ويمدح المحسن ويذم المسيء ، ويثيب الأوّل ، ويعاقب الثاني أو لا؟ وعلى ذلك فالبحث في كلا الطرفين (العقل والشرع) مركز ، على إدراك العقل حسن الفعل وقبحه. لا على إدراكه مصلحة في الفعل أو مفسدة فيه ، شخصية كانت أو نوعية.
الثانية : إذا استقل العقل بوجود المصلحة في الفعل أو المفسدة فيه ، ولزوم حيازة الأُولى ، والاجتناب عن الثانية ، فهل يكشف ذلك عن كونه واجباً أو حراماً عند الشرع أو لا ، بحيث يكون العلم بالمصالح والمفاسد ، من مصادر التشريع الإسلامي ، أو لا؟
أقول : هذه مسألة مسألة ثانية لا صلة لها بالأُولى لما عرفت من أنّ موضوع البحث في الأوّل هو حسن الأفعال وقبحها ، مع قطع النظر عن كونها حاملة لمصلحة أو مفسدة ، وهذا بخلاف الثانية فالموضوع فيه كون الفعل ذا مصلحة ومفسدة ، وربما لا يكون اشتماله على المصلحة أو المفسدة بديهياً ، ولا يثبت إلّا بإقامة البرهان أو بالاستقراء أو بالبحث والنقاش وعلى كلّ تقدير فإنّها خارجة عن محط البحث ، وأشبه ببحوث أهل السنّة ، ومبانيهم ، فأنّ العقل عندنا أقصر من أن يحيط بمصالح الأُمور ومفاسدها ومزاحماتها وموانعها حتى يصبح من مصادر التشريع بهذا المعنى.
وممّن صرّح بذلك ، الشيخ المحقّق الاصفهاني في تعليقته على الكفاية وتلميذه المظفر وإليك نقل كلامهما.
قال المحقّق الاصفهاني : «أمّا استتباع حكم العقل النظري للحكم الشرعي المولوي فمجمل القول فيه انّ مصالح الأحكام الشرعية المولوية التي هي ملاكات