الصدق ، وهو ليس بقبيح واستلزامه كذب الخبر الأوّل ليس بقبيح ، لأنّ تعهده على الكذب كان قبيحاً ، وكان نقضه حسناً وهذا نظير ما إذا أخبر عن قتل الإنسان البريء في الساعة الثانية ، لكن الحسن منه ليس هو القتل ، بل تركه ، لأنّ فيه صيانة الدم المحترمة. والوجوه الباقية من هذه القبيل والآمدي وإن لم يقبلها ، لكن نقل هذه الحجج الواهية ، ليس من شئون الكاتب الواعي.
وأمّا ما استند هو عليه في ردّ الحسن العقلي فليس بأقصر من هذه الوجوه فلاحظ. (١)
* * *
إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة وهي أنّ هناك أفعالاً يستقل العقل بحسنها وقبحها ، ويقضي بهما من دون أن يستعين بالشرع ، ويرى حسنها وقبحها مطرداً في جميع الفاعلين ، من غير اختصاص بالخالق أو المخلوق. وقد ذكرنا ملاك قضائه وهو إمّا كون القضية من البديهيات أو كونها ملاءمة أو منافرة للشخصية العِلْوية المثالية التي خلق الإنسان عليها.
ثمّ إنّ القول بالتحسين والتقبيح العقليين إنّما يتم على القول بأنّ الإنسان فاعل مختار ، وأمّا على القول بأنّه مجبور في أفعاله ، فالبحث عنهما منفي بانتفاء موضوعه ، لأنّ شيئاً من أفعال المجبور لا يتصف بالحسن ولا بالقبح عقلاً. وبما أنّ الأشاعرة يصورون الإنسان فاعلاً مجبوراً ، فلازم مقالتهم نفي التحسين والتقبيح العقليين ، وقد اعترف الأشاعرة بذلك (٢)
* * *
__________________
(١) الاحكام : ١ / ١٢٣.
(٢) كشف المراد : ١٨٧.