الكذب فيرجح ارتكاب أدنى القبيحين وهو الكذب لاشتماله على المصلحة العظيمة ، على الصدق.
أضف إلى ذلك : أنّ الاستدلال مبنيّ على كون قبح الكذب وحسن الصدق ، كقبح الظلم وحسن العدل ، ذاتيين لا يتغيران. وأمّا على ما مرّ من أنّ الأفعال بالنسبة إلى الحسن والقبح على أقسام :
منها : ما يكون الفعل علّة تامة لأحدهما ، فلا يتغير حسنه ولا قبحه بعروض العوارض كحسن الإحسان وقبح الإساءة.
ومنها : ما يكون مقتضياً لأحدهما ، فهو موجب للحسن لو لم يعرض عليه عنوان آخر ، وهكذا في جانب القبح. وقد تقدّم أنّ حسن الصدق وقبح الكذب من هذا القبيل.
ومنها : ما لا يكون علّة ولا مقتضياً لأحدهما كالضرب ، وإنّما يوصف بأحدهما بطرو عنوان كالضرب جزاء أو إيذاء.
إنّ الآمدي ـ أحد المتكلّمين من الأشاعرة ـ نقل وجوهاً سبعة لإنكار التحسين والتقبيح العقليين ونحن نضنّ بالقلم والحبر والورق عن نقلها والردّ عليها ، ولأجل الوقوف على ضالتها نذكر واحداً منها :
لو كان الكذب قبيحاً لذاته ، للزم منه أنّه إذا قال : «إن بقيت ساعة كذبت» أن يكون الحسن منه في الساعة الأُخرى ، الصدق أو الكذب ، والأوّل ممتنع لما يلزمه من كذب الخبر الأوّل وهو قبيح ، فلم يبق غير الثاني وهو المطلوب. (١)
انظر إلى هؤلاء ، كيف يستدلّون على مسألة كلامية أو أُصولية أو أخلاقية بهذه الوجوه التافهة ، وهم بدل أن يرجعوا إلى فطرتهم وقضاء عقولهم ، صاروا يستدلون بهذه اللغز والأحاجي. ومع ذلك نقول : إنّ وظيفته في الساعة الأُخرى هو
__________________
(١) الاحكام : ١ / ١٢٠ ـ ١٢١.