الأخيرين ولعلّهما يوصفان بالسوء لا بالقبح. والحسن والقبح بهذا الملاك خارج عن محطّ البحث ، لاختلاف الطبائع إذ ربّ غذاء لا يلائم طبع طائفة وهو بالنسبة إلى الطائفة الأُخرى لذيذ حسن ، وهكذا الأصوات والروائح.
٢ ـ موافقة الأغراض الشخصية أو النوعية ومخالفتهما ، فكلّ عمل يؤمِّن الغرض الشخصي فهو حسن ، وخلافه ما يقابله وعندئذ يُصبح الحسن والقبح من الأُمور النسبية وهو بمعزل من التحقيق بخلاف ما إذا كان الملاك تأمين الأغراض النوعية ، فكلّ عمل يؤمّن مصالح النوع الإنساني كالعدل فهو حسن ، ويقابله ما يهدّد مصالحه ويسوقه إلى دار البوار فهو قبيح كالظلم ، فالعدل حافظ للنظام والظلم هادم له ، ومع ذلك كله فهو أيضاً خارج عن محطّ البحث وذلك بوجهين :
الف : إنّ القائلين بالحسن والقبح ذهبوا إلى أنّهما من الصفات الذاتية لبعض الأفعال ولا ينفكان عنها أبداً في حال من الأحوال ، وما هو كذلك لا يمكن أن يعتمد على ملاك خارج عن ذاته ، ككونه مؤمِّناً لمصالح النوع أو مهدّداً لها. فإنّ المقصود من الذاتي هناك ما يكفي وضع الموضوع في وضع المحمول ، أو يلازم تصوّر الموضوع تصوّره ، فجزاء الإحسان بالإحسان ، حسن ، وجزاؤه بالسوء ، قبيح مطلقاً من دون حاجة إلى ملاحظة كونه مدعماً لبقاء النظام أو هادماً له ، والعقل يحكم بهما بملاحظة تصوّر نفس الموضوع بما هو هو ، وما هو كذلك ، يتضمّن بنفسه الملاك ويكون موجوداً في صميمه ، ولا يستمد من ملاك خارج.
ب : إنّ نطاق البحث أعم من فعل الإنسان ، بل الغاية القصوى للمتكلّمين الذين هم الأُسس لطرح هذه المسألة هو معرفة أفعاله سبحانه ، وما يجوز له وما لا يجوز في الدنيا والآخرة ، وما هو كذلك يكون أرفع من أن يكون ملاك اتّصاف فعله بهما ، تأمين المصالح النوعية أو تدميرها.