وهذا هو الذي حيّر جميع الأفهام وزلت فيه الأقدام ، مع كون العلم عين ذاته الأقدس فكيف يمكن أن يوجد مثل هذا العلم في غيره. مضافا إلى أنّ العلم الحضوري الحقيقي مختص به وعلم ما سواه حصولي على مراتبه الكثيرة ، مع أنّ غالب علوم ما سواه اعتقادي وهو أعم من الإحاطة الواقعية بحقيقة الشيء ، ولذلك كلّه كان علمه عزوجل على الإطلاق ، كما هو قوله عزوجل : (وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ، وفي بعض الدّعوات المأثورة : «سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور ، سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء ، سبحانك تعلم وزن الرّيح كم هي من مثقال ذرة ، سبحانك تعلم عجيج الوحوش في الفلوات ومعاصي العباد في الخلوات وأنين الحيتان في البحار الغامرات ، سبحانك تعلم لمحات العيون وخطرات القلوب وخائنة الأعين وما تخفي الصدور». ومبحث علمه عزوجل من المباحث الجليلة المهمة في علمي الفلسفة والكلام ، وسيأتي في الموضوع المناسب شرح ذلك إن شاء الله تعالى.
٢١٧ ـ قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ).
جملة قتال فيه بدل اشتمال عن الشهر الحرام ، لأنّ الزمان يشتمل على ما يقع فيه ، ونظيره في المكان قوله تعالى : (قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ) [البروج ـ ٤].
والمعنى : يسألونك عن القتال في الشهر الحرام.
وإنّما وقع السؤال عن الشهر تعجبا من هتك حرمته ، وإلا فإنّه كان لأجل القتال فيه.
ومن مجموع السؤال والجواب يستفاد أنّ حادثة وقعت في الشهر الحرام اقتضت هذا السؤال ، وقد ورد في الروايات ما يبيّن تلك الحادثة ، ويأتي في البحث الروائي ذكرها.
والسؤال يمكن أن يكون من المسلمين على سبيل الاستفهام ، أو من المشركين على سبيل الإنكار.