حيث للمكان المبهم يفسره ما بعده ، ويمكن أن يطلق على المكان المبهم باعتبار حالة من يحلّ فيه من الوقار والسكينة والذكر ونحو ذلك.
والمراد من الناس من يصلح للاقتداء والايتمام به والعالمين بحدود الحج وأحكامه العاملين بها ، وهم منحصرون في خليل الرحمن وذريته القائمين مقامه العاملين بشريعته ، فهو (عليهالسلام) أول هذه السلسلة وأئمة الحق من ذريته آخرها ، والعلماء العاملون الذين يتلونهم علما وعملا حفظة هذه التشريعات.
وإنّما ذكر لفظ الناس ليشمل جميع من له دخل في تشريع هذه المشاعر حدوثا وبقاء وحفظا وإبقاء.
ومعنى (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) أي على الحالة التي أفاض الناس المعهودون في هذا المكان. ويستفاد من قوله تعالى أمرهم بالإفاضة التي يريدها الله جلّ شأنه ونبذ الحركة الهمجية في هذه الحالة التي ينبغي فيها ملاحظة الخضوع والخشوع لله تعالى.
وظاهر الآية الشريفة : أنّه إيجاب للإفاضة المعهودة بين الناس ، وبعد ذكر الإفاضة من عرفات يستفاد أنّه إفاضة إلى منى بعد الوقوف في المزدلفة. فيكون قد ذكر سبحانه الوقوفين أحدهما بالصراحة وهو الوقوف بعرفات والإفاضة إلى المزدلفة بقوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) والآخر بالملازمة وهو الوقوف في المشعر الحرام والإفاضة منه إلى منى فتكون (ثم) على الحقيقة لوجود التراخي الزماني بين الإفاضتين.
وفي ذلك خلاف ما كانت عليه قريش وحلفاؤها الذين هم (الحمس) فإنّهم كانوا لا يقفون بعرفات ترفعا بل بالمزدلفة ، وكانوا يقولون نحن أهل حرم الله لا نفارق الحرم وكانوا يمنعون الناس من أن يفيضوا معهم من المزدلفة ، فأثبت سبحانه إفاضتين ووقوفين لأنّ الإفاضة لا تكون إلا بعد وقوف ولو بمقدار الذكر ، ويدل على ما ذكرنا بعض الأخبار كما يأتي في البحث الروائي.
وقيل ـ وعليه أكثر المفسرين ـ أنّ المراد الإفاضة من عرفات كما كان