ينتظر بها أنواع النّعم في الدنيا ، والسعادة في الآخرة.
ثم إنّ الرّجاء ، والتمنّي ، والأمل وإن كانت مفاهيم مختلفة إلا أنّها في أصل الحقيقة واحدة ، والفرق بينها اعتباري فقط ، فإنّ الأمل يطلق على رغبة ما هو مرضيّ ومحمود ، والتمنّي يطلق في المجهول المطلق وما لم يعلم بحصول المتوقّع بل حتى مع استحالته أيضا بخلاف الرّجاء فإنّه يطلق في الأعم مما هو مرضيّ ومحمود كما أنّه لا يطلق الا على انتظار المتوقع إذا حصل أكثر أسبابه ، ولأجل ذلك كان الرّجاء ممدوحا والتمنّي مكروها ، ففي الحديث : «الأماني بضائع النّوكى» أي الحمقى. فالرّجاء هو تعلّق النفس بما هو المحبوب عند تحقق أكثر أسبابه ولذا يرتاح القلب من انتظاره ، لأنّ الإنسان يشتاق إلى حصول نتيجة عمله وثمرة جهده.
قال الشاعر :
أمانيّ إن تحصل تكن غاية المنى |
|
وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدا |
وقد اعتبر علماء الأخلاق الرجاء من العوامل الدّاعية إلى العمل ، ويجعل صاحبه صبورا يتحمّل في سبيل تحقيق غرضه أنواع المشاق ذا عزيمة قوية ، والوجه في ذلك معلوم لأنّ العلم بالمراد تصوّرا وتصديقا من مقدّمات الإرادة ، وبدونه لا يتحقق لها موضوع ، كما ثبت في علم النفس ، ولذا كان طلب المجهول المطلق محالا ، وإذا حللنا ذلك بالدقة العقلية نرى أنّه ينحل إلى العلم بالمراد إجمالا ، والتصديق بفائدته كذلك ، والرجاء بترتبها عليه والخوف عما يوجب البعد عنه فيرغب إلى ارتفاعه ويرجو زواله ، فيكون الرجاء والخوف مأخوذين إجمالا في تحقيق الإرادة ، بلا فرق في ذلك بين الأمور التشريعية وغيرها.
فيكون للرجاء والخوف دخل في أصل الأعمال ، وهما متلازمان ويتقابلان في الوجود والعدم ، فإنّ الخوف عن عدمه يلزمه الرجاء وجودا ، واعتبرهما علماء الأخلاق جناحين يطير بهما المؤمنون إلى كلّ مقام محمود ،