مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد ـ ٤] ، وقد فصل ذلك في الفلسفة تفصيلا دقيقا لعلنا نشير إليه في ضمن المباحث الآتية.
أو يلحظ بالنسبة إلى رحمته الواسعة ، قال تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف ـ ٥٦].
ويطلق القرب بالنسبة إلى المكان ، كقوله تعالى : (فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) [التوبة ـ ٢٨] ، وهو كثير في القرآن. وأخرى : بالنسبة إلى الزمان ، قال تعالى : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) [الأنبياء ـ ١]. وثالثة : بالنسبة إلى الفعل كالتصرف وغيره ، قال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) [الإسراء ـ ٣٤] ، وقال عزوجل : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) [الإسراء ـ ٣٢] ، وقال تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ) [الأنعام ـ ١٥١]. ورابعة : بالنسبة إلى النسب ، كقوله تعالى : (أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى) [النور ـ ٢٢] ، وقال تعالى : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) [النساء ـ ٣٦].
كما يطلق ويراد به القرب المعنوي من طرف الخلق ، قال تعالى : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء ـ ١٧٢] ، وقال تعالى : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [آل عمران ـ ٤٥] ، وقال تعالى : (عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) [المطففين ـ ٢٨].
والقرب المعنوي : إما من الله تعالى بالنسبة إلى خلقه ويصح أن يعبّر عنه باللطف ، والعناية ، والرعاية ، والقدرة ، ونحو ذلك. وإما من المخلوق بالنسبة إليه عزوجل وهو حالة انقطاع إلى الله تبارك وتعالى بحيث لا يعلم حقيقتها إلا المتقرّب إليه جلّت عظمته والعبد المتقرّب منه ولا يحيط بها إلّا الله عزوجل ، ولكلّ ما ذكرناه مراتب كثيرة.
والمراد بقربه تعالى ـ في المقام ـ : القرب باللطف والرحمة والإجابة الذي لا حد له ولا نهاية لا أن يكون قربا زمانيا أو مكانيا فإنّه تعالى يجلّ عنهما وهو محيط بهما بالإحاطة القيّومية الحقيقية.
وربما يكون القرب فيه من قبيل قرب العلّة الحقيقية من المعلول المحتاج