والمبالغة بالنسبة إلى الذات الأقدس الربوبي ـ الذي هو فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى بالنسبة إلى الفوقية ـ لا يمكن تصورها وكذا جميع صفاته الجلالية والجمالية لا سيما بالنسبة إلى العلم الذي هو عين الذات الأقدس ، وكيف تتعقل المبالغة في ذاته المتعال ، فلا بد من حمل المبالغة بالنسبة إليه عزوجل على أمور :
إما على غاية الكمال الذي لا حدّ له فإنّ المبالغة في المحاورات تكشف عن كمال الشخص فيما بولغ فيه ، فكما أنّ معنى السمع فيه عزوجل عبارة عن أنّه لا تخفى عليه المسموعات ـ كما عن أئمة الهدى (عليهمالسلام) ـ تكون المبالغة فيه أنّه لا حدّ لكماله ، فتكون أوزان المبالغة فيه عزوجل عبارة عن أنّه لا حدّ لموردها ، ولا يمكن للعقول أن تتصوّر لها حدّا.
أو تكون بمعنى الفاعل كما قال ابن مالك في منظومته النحوية :
فعال أو مفعال أو فعول |
|
في كثرة عن فاعل بديل |
أو تكون باعتبار حال المخاطبين ، ومراعاة كيفية المخاطبة معهم لقاعدة أنّ العاقل الحكيم لا بد وأن يلاحظ حال المخاطبين في خطاباته.
وغالب ورود أوزان المبالغة إنّما يكون في رحمته وغفرانه ، ولم أظفر على ما يكون بالنسبة إلى غضبه تعالى وسخطه لا في القرآن الكريم ولا في الأسماء الحسنى ، ولا في غيرها. نعم ورد لفظ «شديد العقاب» و «شديد العذاب» و «عذاب شديد» و «قهار» في عدة مواضع من القرآن الكريم والدعوات المأثورة ولكن ذلك بيان لكيفية العذاب والعقاب ولا يفيد المبالغة فيه ، وإنّ القهار أعم من أن يكون في غضبه وعذابه.
ثم إنّ المعروف بين علماء الأدب أنّ من محسّنات الفصاحة والبلاغة الازدواج والمزاوجة في الكلام ، وهي إتيان لفظين متحدي المعنى في الجملة مع اتصاف أحدهما بالحسن والآخر بالقبح في الواقع كما مرّ في قوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) فإنّ الاعتداء الأول قبيح والثاني حسن لأنّه من دفع الظلم والعدوان وقوله تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ