واعلم أنّه ليس من شروط (١) الرّضا ألّا يحسّ بالألم (٢) والمكاره ، بل ألّا يعترض على الحكم ولا يسخط ؛ فإن وجود التّألّم وكراهة النّفس لا ينافى الرّضا ، كرضا المريض بشرب الدّواء الكريه ، ورضا الصّائم فى اليوم الشديد الحرّ بما يناله من ألم الجوع والظمإ.
وطريق الرّضا طريق مختصرة قريبة جدّا موصلة إلى أجلّ غاية ، ولكن فيها مشقة ، ومع ذلك فليست مشقّتها بأصعب من مشقّة طريق المجاهدة ، ولا فيها من المفاوز (٣) والعقبات ما فيها ، إنما عقبتها همّة عالية ونفس زكيّة ، وتوطين النفس على كلّ ما يرد عليها من الله ، ويسهّل ذلك على العبد علمه بضعفه وعجزه ، ورحمة ربّه وبرّه به. فإذا شهد هذا وهذا ولم يطرح نفسه بين يديه ، ويرض به وعنه ، وينجذب (٤) دواعى حبّة ورضاه كلّها إليه ، فنفسه نفس مطرودة عن الله ، بعيدة عنه ، غير مؤهّلة لقربه وموالاته ، أو نفس ممتحنة مبتلاة بأصناف البلايا والمحن. فطريق الرضا والمحبّة تسيّر العبد وهو مستلق على فراشه ، فيصبح أمام الرّكب بمراحل. وثمرة الرّضا الفرح والسّرور بالله تعالى.
وقال الواسطى : استعمل الرضا جهدك ، ولا تدع الرّضا يستعملك فتكون محجوبا بلذّته ورؤيته عن حقيقته. وهذا الّذى أشار إليه عقبة
__________________
(١) ب : «شرط».
(٢) فى الأصلين. «بالاثم».
(٣) المفاوز : جمع مفازة وهى الصحراء.
(٤) فى الأصلين : «يتحدث» ، وظاهر أنه محرف عما أثبت.