بلاغته :
يعد زيد بن علي من الأفذاذ القلائل الذين يمتلكون مواهب بارعة في أنواع من فنون البلاغة فهو خطيب مفوه ، وبليغ يحسن ضغط المعنى في كلمات موجزة. كما أنه شاعر ينظم فيحسن. ومن أجل أن تتضح أمامنا كل جوانب شخصيته المبدعة يستحسن أن نقف أمام كل واحدة منها فيما يلي :
١ ـ خطابته :
عرف زيد بجودة الخطابة وعده الكثير من خطباء بني هاشم في عصره وشبه في ذلك بجده الإمام علي عليهالسلام وكان الناس يحرصون أشد الحرص على الاستماع له والتعلم منه فقد انتهز الناس فرصة وجود المنازعة بينه وبين أحد أبناء عمه في وصية ؛ فيذهبون إلى مكان الاجتماع ليحفظوا كل كلمة قالاها. ثم يكتبونه بعد ذلك «ثم يتعلمونه كما يتعلم الواجب من الفرض ، والنادر من الشعر ، والسائر من المثل وكانا أعجوبة دهرهما وأحدوثة عصرهما» (١).
وكان زيد يقرن حسن إجادته للمعنى في خطابته بحسن الأداء والقدرة على إخراج الحروف بصورة سليمة مما يعطيه ميزة على غيره في هذه الناحية أيضا. فقد حضر مرة في مجلس «وخطب الجمحيّ ، وكان فروع إحدى الثنيتين وكان يصفر إذا تكلم وأجاد الخطبة وكانت للنكاح ، فرد عليه زيد بن علي الحسين كلاما فقال عبد الله بن معاوية فضله بتمكين الحروف وحسن مخارج الكلام فقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر (٢) يذكر ذلك :
صحّت مخارجها وتمّ حروفها |
|
فله بذاك مزية لا تنكر (٣) |
وما يدل أيضا على حسن بيانه قول أخيه محمد الباقر عليهالسلام عند ما سئل عن إخوته فوصف زيدا بأنه «لساني الذي أنطق به» (٤).
وهذه البراعة في الأداء والمقدرة على صوغ المعاني مكنته من كسب قلوب الناس إلى ما يدعو إليه وجعلت الولاة والخليفة الأموي هشام بن عبد الملك يتوجس خيفة منه. ويأمر واليه على الكوفة أن يحثّه على مغادرتها. ومنع الناس من الاستماع له لأن «له لسانا أقطع من ظبة السيف ، وأحدّ من شبا الأسنّة ... وأبلغ من السحر في الكهانة. ومن كل نفث في العقد» (٥).
__________________
(١) زهر الآداب للقيرواني ١ / ٧٣ وانظر القصة في البيان والتبيين ١ / ٣٣٤.
(٢) مرت ترجمته في الصفحة ٣٢.
(٣) الكامل ٣ / ١٩٤ وانظر البيان والتبيين ١ / ٥٨ وورد فيه (قلت قوادحها وتم عديدها) ومثل ذلك ورد في كتاب البلاغة للمبرد أنظر ٨٠ ـ ٨٢ وهو من الكامل.
(٤) انظر تنقيح المقال ١ / ٤٧١.
(٥) زهر الآداب ١ / ٧٢.