النشأتين كامتناع اجتماع النقيضين وارتفاعهما ، واجتماع الضدين.
وليس من ذلك تبدل العرض جوهراً ، فانّ كون العرض غير قائم إلاّ بالموضوع في تلك النشأة لا يكون دليلاً على كونه كذلك في النشأة الأُخرى ، إذ من الممكن أن يكون العرض قائماً بنفسه في النشأة متبدلاً ، متجليّاً بصورة النار والأغلال والسلاسل ، أو أن يكون العمل الصالح كالصلاة والصوم قائماً بنفسه في النشأة الأُخرى متجلّياً بصورة الحور والجنات والعيون.
وما ذكرنا لا يختص بتجسم الأعمال بل يجري في الصراط والميزان والأعراض ، وقد قلنا إنّ حقائقها خفية علينا ، وانّ التعبير عنها بالميزان وغيره تقريب للذهن بالحقائق المستورة.
وعلى ما ذكرنا فلا مانع من تجسّم الأعمال ، ولنذكر بعض كلمات الأعلام في هذا الصدد :
يقول صدر المتألّهين : كما أنّ كلّ صفة تغلب على باطن الإنسان في الدنيا وتستولي على نفسه بحيث تصير ملكة لها ، يوجب صدور أفعال منه مناسبة لها بسهولة يصعب عليه صدور أفعال أضدادها غاية الصعوبة ، وربما بلغ ضرب من القسم الأوّل حدّ اللزوم ، وضرب من القسم الثاني حدّ الامتناع ، لأجل رسوخ تلك الصفة. لكن لما كان هذا العالم دار الاكتساب والتحصيل قلما تصل الأفعال المنسوبة إلى الإنسان الموسومة بكونها بالاختيار في شيء من طرفيها حدّ اللزوم والامتناع بالقياس إلى قدرة الإنسان وإرادته دون الدواعي والصوارف الخارجية لكون النفس متعلّقة بمادة بدنية قابلة للانفعالات والانقلابات من حالة إلى حالة ، فالشقي ربما يصير بالاكتساب سعيداً وبالعكس ، بخلاف الآخرة فانّها ليست دار الاكتساب والتحصيل ، كما أشير إليه بقوله تعالى : ( لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ) (١) ، وكلّ صفة بقيت في النفس
__________________
١. الأنعام : ١٥٨.