واعلم أنّه سبحانه استعمل الجنة والنار في غير الجنة التي وعد بها المتقون ، أو النار التي أوعد بها المجرمون ، ويظهر ذلك من الإمعان في المراد منهما في غير واحد من الآيات ، وإليك بعض تلك الموارد :
أ. يذكر سبحانه محادثة رجلين جعل لأحدهما جنتين من أعناب وحفّهما بنخل وجعل بينهما زرعاً ، يقول : ( وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَدًا ). (١)
ومن الواضح انّ المراد من الجنة هي جنة الدنيا وما أكثرها.
ب. يحكي سبحانه عن وجود جنتي سبأ ، ويقول : ( لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ) (٢) ولا يحتمل أحد من المفسرين انّ المراد هو جنة الآخرة والجميع يفسرونه بجنان الدنيا.
ج. يحكي سبحانه عن خلقة آدم في الجنة ، وقال : ( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ). (٣)
وقد استدل غير واحد من المتكلّمين والمفسرين بهذه الآية ونظيرتها ، على أنّهما مخلوقتان.
قال التفتازاني : لنا وجهان :
__________________
١. الكهف : ٣٩.
٢. سبأ : ١٥.
٣. البقرة : ٣٥.