ذكر المفسرون انّ إبراهيم عليهالسلام رأىٰ جيفة تفترسها السباع ويأكل منها سباع البر ودواب البحر ، فسأل الله سبحانه ، وقال : يا ربّ ، قد علمت أنّك تجمعها من بطون السباع والطير ودواب البحر فأرني كيف تحييها لأُعاين ذلك.
يقول سبحانه : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ). (١)
وما ذكرنا من شأن النزول يكشف عن هدف إبراهيم ، وهو انّه كيف يمكن إحياء الميت بعد تشتّت أوصاله واختلاطها بأوصال حيوانات أُخرى ؟ فلذلك أمره سبحانه بأخذ طيور مختلفة فقطعها ومزقها ثمّ فرقهنّ على جبال ثمّ أخذ بمناقيرهنّ ثمّ دعاهنّ باسمه سبحانه فأتتن سعياً فكانت تجتمع ويأتلف لحم كلّ واحد وعظمه إلى رأسه حتى قامت احياءً بين يديه ، وبذلك ازداد يقين إبراهيم حيث عاين إمكان إعادة أجزاء بدن كلّ حيّ إليه وإن اختلط بحي آخر ، فلو أكلت سباع البراري وجوارح السماء وحيتان البحر ، بدن الإنسان فصار جزءاً لأبدانها ، فالاختلاط لا يكون مانعاً عن الإحياء والإعادة.
وبعبارة أُخرى : لم يسأل إبراهيم عليهالسلام عن أصل إحياء الموتىٰ وإلاّ لكفى في الإجابة بإحياء فرد واحد من الطيور والإنسان ، بل كان يستهدف الوقوف علىٰ كيفية إعادة أجزاء كلّ ميت إليه بعد الاختلاط ، ولذلك أمره سبحانه بأخذ طيور أربعة وقطع رؤوسهنّ وخلط أعضائهنّ وتفريقهنّ علىٰ رؤوس الجبال ثمّ دعوتهنّ.
__________________
١. البقرة : ٢٦٠.