يمكن جزاؤه ، وكما إذا أسس سنّة حسنة أو سنّة سيئة ، فعمله بعد الموت يدوم بدوام ما أسسه مع عدم إمكان جزاء العامل ، فطبع الدنيا لا يليق بكونها جزاء كاملا للعاملين (١).
هذا مضافا إلى احتفاف الدنيا بأنواع المصائب والآلام التي لا تكون معها لائقة لجزاء الأولياء والأنبياء والصالحين بل المناسب لهم هو جزاؤهم بما لا يحتفّ بهذه المكاره والمصائب وهو لا يكون إلّا في الآخرة.
دليل العدل : بتقرير آخر :
مما لا ريب فيه أنّ العباد صنفان :
ـ صنف قد بذلوا المشاق في سلوك طريق امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه ، والتقيّد بما أودعه تعالى في عقول الناس من معرفة طرق الخير والشر.
ـ وصنف آخر تهاونوا في المعاصي والموبقات ، فسلكوا طرق الفساد ، ومخالفة أوامر السماء وإرشادات الفطرة السليمة.
وهنا لا يخلو الأمر من أحد وجوه :
الأول : أن يهملهم المولى سبحانه من حيث الثواب والعقاب.
الثاني : أن يسوّي بينهم بأن يثيب الجميع أو يعاقب الجميع.
الثالث : أن يفرّق بينهم بأن يثيب العاصي ويعاقب المطيع.
الرابع : أن يفرّق بينهم بأن يثيب المطيع ويعاقب العاصي.
والأول عبث لأنه خلاف الحكمة.
والثاني والثالث خلاف العدل.
فيتعين الرابع وهو مقتضى العدل الإلهي.
وحيث إنّ هذا التفريق العادل غير محقق في هذه النشأة الدنيويّة ، فلا بدّ أن تكون ثمّة نشأة أخرى فيها عدله سبحانه يثيب فيها المطيعين ويعاقب العاصين.
وإلى هذا يشير قوله تعالى : (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (ص / ٢٩).
__________________
(١) بداية المعارف : ج ٢ ص ٢٧٥ ـ ٢٧٦ بتصرّف ببعض ألفاظه.