لهذه الخلوة والمحاسبة أن يواظب على قراءة هذه الأدعية المأثورة التي تصل بمضامينها إلى أغوار النفس ، مثل أن يقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي ـ رضوان الله تعالى عليه ـ :
«أي رب! جلّلني بسترك ، واعف عن توبيخي بكرم وجهك».
فتأمل كلمة «جللني ...» فإنّ فيها ما يثير في النفس رغبتها في كتم ما تنطوي عليه من المساوي ، ليتنبه الإنسان إلى هذه الدخيلة فيها ويستدرجه إلى أن يعترف بذلك حين يقرأ بعد ذلك :
«فلو اطّلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته ولو خفت تعجيل العقوبة لاجتنبته».
وهذا الاعتراف بدخيلة النفس وانتباهه إلى الحرص على كتمان ما عنده من المساوي يستثيران الرغبة في طلب العفو والمغفرة من الله تعالى لئلا يفتضح عند الناس لو أراد الله أن يعاقبه في الدنيا أو الآخرة على أفعاله ، فيلتذّ الإنسان ساعتئذ بمناجاة السرّ ، وينقطع إلى الله تعالى ويحمده أنّه حلم عنه وعفا عنه بعد المقدرة فلم يفضحه ، إذ يقول في الدعاء بعد ما تقدّم :
«فلك الحمد على حلمك بعد علمك وعلى عفوك بعد قدرتك».
ثم يوحي الدعاء إلى النفس سبيل الاعتذار عمّا فرط منها على أساس ذلك الحلم والعفو منه تعالى ، لئلا تنقطع الصلة بين العبد وربّه ، ولتلقين العبد أنّ عصيانه ليس لنكران الله واستهانة بأوامره إذ يقول :
«ويحملني ويجرئني على معصيتك حلمك عنّي ، ويدعوني إلى قلّة الحياء سترك عليّ. ويسرعني إلى التوثّب على محارمك معرفتي بسعة رحمتك وعظيم عفوك».
وعلى أمثال هذا النمط تنهج الأدعية في مناجاة السرّ لتهذيب النفس وترويضها على الطاعات وترك المعاصي. ولا تسمح الرسالة هذه بتكثير النماذج من هذا النوع وما أكثرها.
ويعجبني أن أورد بعض النماذج من الأدعية الواردة بأسلوب الاحتجاج مع الله تعالى لطلب العفو والمغفرة ، مثل ما تقرأ في دعاء كميل بن زياد :
«وليت شعري يا سيدي ومولاي! أتسلّط النار على وجوه خرّت لعظمتك ساجدة ، وعلى ألسن نطقت بتوحيدك صادقة وبشكرك مادحة ، وعلى قلوب