والسنة على نقله ـ أي خبر غسل الزهراء قبل وفاتها ـ مع كون الحكم على خلافه عجيب ، فإنّ الفقهاء من الطرفين لا يجيزون الدفن إلا بعد الغسل إلّا في مواضع ليس هذا منه ... ولعلّ هذا أمر يخصّها عليهاالسلام).
نعم إنها عليهاالسلام كأبيها في طهارتها لما ورد عن الإمام الصادق عليهالسلام أنّه لمّا سئل : هل اغتسل عليّ حين غسّل رسول الله؟! قال عليهالسلام : النبي طاهر مطهّر ولكن اغتسل عليّعليهالسلام وجرت به السنّة.
وقد أشارت الروايات إلى التي من أجلها يجب تغسيل الميت ، وهي خروج النطفة التي خلق منها ؛ ففي حديث عن أبي عبد الله عليهالسلام أن رجلا سأل أبا جعفر عليهالسلام عن الميت لم يغسل غسل الجنابة؟ قال : إذا خرجت الروح من البدن خرجت النطفة التي خلق منها بعينها منه ، كائنا ما كان : صغيرا أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، فلذلك يغسل غسل الجنابة (١).
من هنا يعلم أن الزهراء عليهاالسلام عند ما اغتسلت قبل الوفاة لا لجنابة لأنّ الميت بحكم الجنب كما ورد عن أبي جعفر محمد بن علي عليهالسلام سأله رجل عن غسل الميت لأيّ علّة يغسل؟ ولأيّ علّة يغتسل الغاسل؟! قال : يغسل الميت لأنه جنب ولتلاقيه الملائكة وهو طاهر وكذلك الغاسل ليلاقيه المؤمنين (٢).
وكلّ هذا إشارة إلى أن النبي والعترة يختلفون بتكوينتهم البشرية عن غيرهم (بمعنى قوة أجسادهم وطهارتها وصفائها) فلا يمكننا أن نعرض عن أمثال هذه الأحاديث لمجرّد أن أفكارنا لم تصل إلى معرفة حقائقها ، وحيث إنها ليست من المستحيلات العقلية يجب علينا التسليم لها حيث ورد عنهم عليهمالسلام أنّ حديثنا أهل البيت صعب مستصعب لا يتحمّله إلا بنيّ مرسل أو ملك مقرّب أو مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان ، فقد ورد أن فاطمة بنت أسد كبّر عليها النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أربعين تكبيرة وكبّر على حمزة سبعين مع أنّ التكبير على الميت خمس ، فدلّ هذا على أن لهؤلاء خصائص ومميزات لم تكن حاصلة لغيرهم فلا مجال للاستنكار وردّ فضائلهم بحجّة أن عقولنا لم تتحمّل هذا فيقذف المعتقد بها بالغلوّ والزندقة والكفر.
فالقول بانتفاء الحدث عنهم عليهمالسلام ـ على القول به ـ لا يستلزم تكفير صاحبه وإدخاله في زمرة الغلاة ، وليس كلّما يستعظمه المرء يكون غلوّا ، وكلما
__________________
(١) كتاب وسائل الشيعة ج ٢ باب غسل الميت ح ٢ ط. دار إحياء التراث العربي ١٣٩١ ه.
(٢) نفس المصدر ح ٦.