مرتبة الملائكة الرسالة ولا يمتنع اجتماعها مع الجهل في الجملة ، بخلاف الإمامة فإنّ أول رتبتها الرئاسة العامة الممتنع اجتماعها مع منقصة الجهل عقلا ونقلا.
فالنبي والأئمة عليهمالسلام فوق مرتبة الحدس التي أكّد عليها المصنّف ، فهذه القوة القدسية المعبّر عنها اصطلاحا بالحدس هي للذين هم في طور الإعداد والاستعداد لنيل الفيوضات العلمية نتيجة بعض الرياضات الروحية ، فتشرق على قوابلهم أنوار اللاهوت فتجلي أثر الظلمة والجهل فتصبح النفس متنوّرة بما هبط عليها من عالم القدس والطهارة ، وهذا إنما يكون للنفوس المتوسطة لا النفوس الكاملة الواصلة التي أصبحت نفوسها مصدر الإشراق وتلألؤ الأنوار ، فالنفس النبوية والولية هي مرآة الحق تنعكس عليها صفات الله تعالى لتشرق على قوابل النفوس في عوالم الدهور.
والإلهام الربّاني أحد طرق العلم اللدني المذكور في القرآن واعتمد عليه العرفاء.
والعلم اللدني قسم من العلوم الشريفة يهبه الباري عزوجل لبعض عباده وليس فيه صنع للأسباب العادية كالحسّ والفكر حتى يحصل من طريق الاكتساب ، ومن شرّف به فقد نال الحكمة وفصل الخطاب كما قصّ ذلك علينا القرآن الكريم انّ العبد الصالح النبي الخضر عليهالسلام «كما هو الأرجح» نال شيئا منه كما في قوله تعالى : (آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) (الكهف / ٦٦) ويمكن تحصيل هذا النوع من العلوم عن طريق الرياضات والمجاهدات الروحية حتى تصير القوى الحسيّة والخيالية ضعيفة ، فإذا ضعفت قويت القوة العقلية والروحية ، وأشرقت أنوار القدرة الأزليّة على جوهر العقل ، وقذف في القلب المعارف وكملت العلوم من غير واسطة سعي وطلب فكر ، فإذا أراد سبحانه بعبد خيرا رفع الحجاب بين نفسه والنفس الكلي المعبّر عنه ب «اللوح المحفوظ» فتظهر فيه أسرار المكنونات وينتقش فيها معاني تلك المكنونات ، فيصير المتحلّي بها حكيما ، والحكمة أثر من آثار العلم اللدني ، فما لم تبلغ النفس هذه المرتبة لا تكون حكيمة ، لأنّ الحكمة من مواهب الله تعالى حيث يؤتي الحكمة من يشاء (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (البقرة / ٢٧٠) وأولو الألباب هم الواصلون إلى مرتبة العلم اللدني المستغنون عن التحصيل وتعب العلم ، فيتعلّمون