عليهم أكبر قدر ممكن من المنفعة.
إنّ آيات الذكر الحكيم تشهد على أحقيّة النظرية الأُولى حيث تشير إلى أنّ العيش الجماعي معجون في خلق الإنسان وطبيعته وانّها كامنة في خلقه وفطرته ، وما دام الإنسان موجوداً وفطرته باقية على سلامتها فإنّه ينجذب نحو الحياة الاجتماعية ، ونحن هنا نكتفي بذكر آيتين فقط من بين تلك الآيات الكثيرة :
ألف : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). (١)
ففي هذه الآية المباركة إشارة واضحة إلى فلسفة الخلقة وأنّه لما ذا خلق الإنسان من شعوب وقبائل متعدّدة ، وهذه الفلسفة هي : كما أنّ اختلاف الألوان والأشكال والصور تكون وسيلة للتعارف ، كذلك الاختلاف في الانتماء إلى القبائل والشعوب والملل المختلفة يكون سبباً لاختلاف الناس وتعارفهم ، ولا يخفى علينا أنّه إذا لم يخلق الإنسان بهذه الصور المختلفة في الانتساب وتعدّد المجتمعات والطبائع ، فإنّه سيكون حينئذٍ كمثل مصنوعات شركة واحدة لا امتياز لبعضها على البعض الآخر ولا يمكن تمييز بعضها عن البعض الآخر.
فعلى هذا الأساس تكون عملية الحياة اجتماعياً بالنسبة إلى الإنسان من الأُمور التي خلقت وأوجدت في طبعه وفطرته منذ اليوم الأوّل ، حيث خلق الإنسان لتحقيق تلك الغاية ، وهذا ما يعبّر عنه : (انّ الحياة الاجتماعية مقتضى خلق الإنسان وفطرته).
__________________
(١). الحجرات : ١٣.