وأمّا السائرون على طريق العبودية والباحثون عن الحقيقة ، فإنّهم مهيمنون على كلّ أفكارهم وأحاسيسهم ومشاعرهم من خلال القدرة التكاملية التي حصلوا عليها في ظل العبودية لله ، كذلك هم مسلّطون على قواهم التخيّلية التي لا تستقر في مكان واحد وكأنّها كالطير الذي ينتقل من غصن إلى غصن ومن شجرة إلى شجرة. وانّ زمام تلك القوى بأيديهم وتحت إرادتهم ولذلك تجدهم في أثناء العبادة يتحلّون بدرجة من التمركز الفكري والحضور القلبي إلى درجة لا يغفلون عن الله سبحانه طرفة عين ويغرقون في الجمال والكمال الإلهي ، حتّى يصلون إلى درجة من الفناء في الذات الإلهية بحيث يُسلّ النصل من بدنهم ، أو يسقط ابن عزيز لهم من شاهق ولم يشعروا بألم النصل أو بصراخ النساء والأطفال واستغاثتهم لسقوط الطفل إلّا بعد الفراغ من الصلاة. (١)
يقول الشيخ الرئيس ابن سينا : والعبادة عند العارف رياضة ما لهممه وقوى نفسه المتوهّمة والمتخيّلة ليجرّها بالتعويد عن جناب الغرور إلى جناب الحق ، فتصير مسالمة للسرّ الباطن حينما يستجلى الحق لا ينازعه ، فيخلص السرّ إلى الشروق الساطع ، ويصير ذلك ملكة مستقرة ، كلّما شاء السر أطلع إلى نور الحقّ غير مزاحم من الهمم ، بل مع تشييع منها له فيكون بكلّيّته منخرطاً في تلك القدس. (٢)
٤. خلع لباس البدن عن الروح
إنّ العلاقة بين الروح والبدن في عالم الطبيعة علاقة وثيقة ومبرمة فكلّ منهما محتاج إلى الآخر ، فمن جهة نجد أنّ الروح لها «علاقة تدبيرية» بالنسبة
__________________
(١). إشارة إلى ما حدث بالنسبة إلى أمير المؤمنين وحفيده السجاد عليهماالسلام.
(٢). الإشارات : ٢ / ٣٧٠ ، النمط التاسع ، تحت عنوان «تنبيه».