قال ابن عباس : فإن رجلا لقيني آنفا فقرأ علي قول الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) [البقرة : ٢٢٢]. هو يقول حتى يطهرن بالماء ، (فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) ، قبلا ودبرا ، فقلت : كفى من ذهب إلى هذا التأويل كفرا!! إنما عنى الله تبارك وتعالى حتى يطهرن من الدم ، فإذا تطهّرن منه بالماء (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) يعني طاهرات غير حيّض. فقال عمر : إن قريشا لتغبط بك يا بن عباس ، بل جميع العرب ، بل جميع أمة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وقال خريم بن فاتك الأسدي (١) :
ما كان يعلم هذا العلم من أحد |
|
بعد النبي سوى الحبر ابن عباس |
من ذا يفرج عنكم كل معظلة |
|
إن صار رسما مقيما بين أرماس |
مستنبط العلم غضا من معادنه |
|
هذا اليقين وما بالحق من بأس |
وصدق لعمري عمر بن الخطاب إن الأمة لتغبط بأن يكون فيها ومنها ، من يجادل أهل الإلحاد في تنزيل الله والكفر بآيات الله سبحانه عنها.
ولفي مجادلة من ألحد وأبطل ، أو جهل بيان الكتاب فعطّل ، ما يقول الله سبحانه لرسوله ، صلى الله عليه وعلى آله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
__________________
ـ إن أراده قدر عليه.
وأما الآية الأخرى ، فإن الرسل استيأسوا من إيمان قومهم ، وظنوا أن من عصاهم لرضى في العلانية قد كذبهم في السر ، وذلك لطول البلاء عليهم ، ولم تستيئس الرسل من نصر الله ، ولم يظنوا أنهم ـ لعلها أنه ـ ما وعدهم.
فقال معاوية : فرجت عني يا ابن عباس فرج الله عنك. الدر المنثور ٥ / ٦٦٦ ٦٦٧.
وأنا استبعد أن يكون السائل هنا معاوية ، وإنما أراد أشياعه أن يصوروه بأنه باحث متدبر في كتاب الله. ويشبعوه بما لم يأكل. وحري أن يكون السائل عمر بن الخطاب الذي كان يجالسه ابن عباس كثيرا فيسأله ويستفتيه.
(١) في المخطوطتين : خزيم بن قائد. مصحفة. وخريم هذا يقال : له صحبة ، ويقال أنه أدرك بدرا.