ورجاء لا يشوبه غرّة ، ودعاء لا يشوبه فترة ، وتفكر لا يشوبه توهّم ، وتوحيد لا يشوبه تشبيه ، وتصديق لا يشوبه تكذيب ، وتعديل لا يشوبه تجوير. فهذه صفة المتقي (١) العارف.
فعليك بهذه الطريقة فالزمها ، وأقبل عليها بقولك (٢) وفعلك ، (وحركتك وسكونك ، وبصرك وظاهرك وباطنك ، ونظرك وتمييزك ، فإن الخير والبركة بحذاريفها لمن سلك هذه الطريقة.
واعلم أنك إذا صدقت عليها نيتك ، وعلم الله منك المجهود في ذلك ، نصرك عليها وظفّرك بها) ، (٣) فمن صبر على هذه الصفة أربعين يوما لا يشوب عمله بالكدرة والتخاليط والآفات ، (٤) اتقد في قلبه مصباح النور ، وانفتح له عينا قلبه ، (٥) فيبصر بهما إلى جميع الدنيا والآخرة ، فيعرف (٦) (عند ذلك مصائب الدنيا ، ومصائب الآخرة ، فيصبر على مصائب الدنيا ، ويخاف من مصائب الآخرة ، لأن مصائب الدنيا نعم ، ومصائب الآخرة نقم ، فإذا ميز بينهما واعتبر ، أقبل على خيرهما عاقبة ، وعمل لآخرته بطيبة من نفسه ، وانتبه واطمأن ، وعرف أن الآخرة خير من الدنيا ، وتحصّن بذكر الله في دنياه ، وعمل لعقباه) (٧) ، فطوبى له وحسن مآب.
قال الوافد : فما يجب عليه بعد ذلك؟
قال العالم : يجب عليه أن يدعو عباد الله إلى الله ، ويعرّفهم أنهم من ربهم ، فيرغبهم
__________________
(١) في (أ) : المؤمن.
(٢) في (أ) : واعمل بها.
(٣) سقط من (أ) : ما بين القوسين.
(٤) في (أ) : فمن داوم عليها أربعين يوما.
(٥) هذا معنى حديث ، أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا في صحيفته / ٣٨٤ ، والقضاعي في مسند الشهاب ١ / ٢٨٥ (٤٦٦) ، والسيوطي في الدرر المنتثرة ١ / ٣٧٣ ، بلفظ : من أخلص لله أربعين يوما تفجرت الحكمة من قلبه على لسانه. وقد أورده كثير من المحدثين في كتب الموضوعات من الحديث.
(٦) في (ب) : فيبصر بنورهما. وفي (أ) : فيعرف (مصائبهما ويميز بينهما ، فإذا عرف أن الآخرة خير من الدنيا ، عمل للآخرة وترك الدنيا).
(٧) سقط من (أ) : ما بين القوسين. وفي (أ) : فطوبى لهم. مصحفة.