كم من شاب ينتظر المشيب ، عاجله الموت وأحل (١) به النحيب ، كم من مسرور بشبابه ، عاجله الموت من بين أحبابه ، إلى قبره وترابه.
أيها الشاب الجهول ، إنك في التراب منقول ، وعلى النعش محمول ، وعن أعمالك مسئول. ما لك لا ترجع؟! ما لك لا تفزع؟! ما لك لا تخضع؟! ما لك لا تخشع؟! (٢) آه من يوم يقول فيه المولى : عبدي شبابك فيم أبليته؟! وعمرك فيما أفنيته؟! فلا تنظر إلى الشباب وطراوته ، ولا تغتر بحسنه وملاحته ، ولكن انظر إلى صرعته وندامته.
ما أحسن الإياب بالشاب! (٣) وما أقبح الخضاب لمن (٤) قد شاب وما تاب! ما بقاء الشيخ في الدهر ، إلا كبقاء الشمس على القصر ، في وقت العصر. الشيب داعي الموت ، وناعي الفوت ، الشيب يؤذن بالفراق ، ويخبر بالتلاق ، الشيب ظاهره وقار ، وباطنه ازدجار ، الشيب يكدر المنى ، ويكثر العناء ، الشيب كسل في كسل ، وعلل في علل ، وملل في ملل ، وخلل في خلل ، وآخره كلل ، (٥) وتقريب الأجل ، وقطع الأمل (٦).
فلما بلغ كلام العالم والوافد إلى هذا الحد (٧) قال له العالم : ما أسوأ عبد يقرب (٨) منه الأجل ، وهو يسيء العمل! ما أسوأ عبد ظهر فيه الخلل ، وهو يكثر الزلل! (٩) من شابت ذوائبه ، جفته (١٠) حبائبه ، أين الاستعداد؟ أين تحصيل الزاد؟ وأنت للذنوب تعتاد ،
__________________
(١) في (أ) و (ج) : شباب. وفي (ج) : ينظر الحبيب. وفي (ب) : وحل به.
(٢) سقط من (ج) : ما لك لا تخشع.
(٣) في (أ) : الإنابة. وفي (ج) : الشباب.
(٤) في (ج) : بمن.
(٥) سقط من (ج) : كلل. وفي (أ) : حكل. وفي (ب) : مكل. والحكل : العجم من الطيور والبهائم.
والحكل في الفرس : امّساح نساه ورخاوة كعبه.
والمكل : اجتماع الماء في البئر. ولعل الكلمة مصحفة. وما أثبت اجتهاد ، والله أعلم بالصواب.
(٦) في (ب) : للأجل وقطع للأمل.
(٧) سقط من (ج) : العالم و. وفي (ب) : فلما انتهى الوافد إلى هذا الحد قال العالم.
(٨) في (أ) : قرب. وفي (ج) : أقرب.
(٩) في (أ) و (ج) : الخجل. وفي (ب) : من الزلل.
(١٠) في (ب) : جفا. وفي (ج) : خفت. مصحفة.