ولو كان إنما أراد (١) بذلك إنزاله على محمد صلّى الله عليه وعلى أهل بيته وسلم لكان إنما نزل إليه مفرقا ومقطعا ، غير مجمل من الله ، وإنما قال الله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) فأوقع التنزيل على كله لا على بعضه ، وقال لرسوله ، صلىاللهعليهوآله : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) [القصص : ٨٥] ، فأخبر سبحانه بفرضه ، والفرض : هو التقطيع والتفصيل كما يقول القائل للشيء إذا أمر بقطعه ، افرضه وفصّله ليقطعه.
وتأويل (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ) ، هو أن (٢) الذي قطّع تفريقا ما نزل من القرآن إليك ، وذلك فهو الله الرحمن الرحيم ، وما فرض : فهو كتابه المنزل الحكيم ، وأي القولين اللذين ذكرنا ، وبينا في ذلك وفسرنا ، قيل به فتأويل ، وأمر كبير جليل ، كريم ذكره ، واجب شكره.
وليلة القدر التي نزل فيها القرآن : فليلة من الليالي مباركة ، تتنزل الملائكة فيها كما قال الله تبارك وتعالى الروح والملائكة ؛ لبركتها وقدرها ، وما عظم الله من أمرها ، (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) من أمور الله بنازلة ، وبركة لأهل الأرض كلهم شاملة ، فليلة ذلك الوقت والخير والقدر ، خير كما قال : (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) ، لما جعل الله جلّ ثناؤه فيها من اليمن والبركات ، وما يمسك الله فيها عمن أجرم من النقم والهلكات ، ولما نسب الله إليها ، من الخير تنزلت الملائكة والروح فيها ، من أعلى العلى ، إلى الأرض السفلى.
يقول الله سبحانه : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) ، تأويل ذلك بإذن الله فيها لهم ، وقد قال غيرنا في تأويل (مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) : إنه من كل وجهة ، وما قلنا به ـ والله أعلم ـ في نزولهم من أمر الله ورحمته بكل نازلة أشبه وأوجه ، فهم ينزلون فيها من أمر الله وتقديره ، وما جعل الله فيها من بركاته وخيره ، إحدانا وزمرا وإرسالا ، ببركتها وإعظاما لها وإجلالا ، وإذ جعلها الله سبحانه لتنزيله ووحيه وقتا ومقدارا ، وذكرها بما ذكرها به من القدر تشريفا لها وإكبارا ، وليلة القدر ليلة جعلها الله من ليالي رمضان ، ألا ترى كيف يقول سبحانه : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
__________________
(١) في (أ) : أريد إنزاله.
(٢) سقط من (أ) : أن.