ذلك قوله تعالى في
سورة القيامة ١ (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ
الْقِيامَةِ ٢ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ٣ أيَحْسَبُ
الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) وليس كما حسب المتعرب وتوهم ، فإن الحقائق النيرة لا
يحجبها غبار القيل والقال ، فإن «لا» في الآية وأمثالها للنفي وجيء بها لأعظام
القسم والمحلوف به ، كما يرشد الى ذلك ويدل عليه قوله تعالى في سورة الواقعة ٧٤ (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ٧٥
وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ).
ويرشد الى ذلك
أيضا شائع الاستعمال العرفي ، فإن المخبر المؤكد لخبره قد يجمع بين التعريض بالقسم
واعظامه بإنشاء واحد ، فيقول : لا احلف برأس ابيك قد كان الأمر كذا ، وهو اسلوب
لطيف وغرض حميد ، وان صاحب الكشاف قد تنبه في تفسير سورة القيمة لهذا الوجه الواضح
فجزم به في التفسير واحتج لتقريبه بقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ
بِمَواقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) ، وان كان عند تفسيره لسورة الواقعة قد اتبع في هذه الآية
قول بعض المفسرين فقال : ان «لا» صلة ، أي زائدة.
«فإن قال قائل»
إذا كان ذلك جامعا بحسن اسلوبه بين التعريض بالقسم واعظامه ، فأين الخبر الذي عرض
بالقسم لأجل تأكيده ، قلنا : «أفلا يسمع النداء بيوم القيامة» ، وقوله تعالى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ
نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ بَلْ يُرِيدُ
الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) أم يريد أن لا يجري القرآن على خصائص اللغة العربية
ومحاسنها.
وقال الله تعالى
في سورة الحديد بعد ذكر الذين اتبعوا المسيح ٢٨ : (يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ
مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ ٢٩ لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى
شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ
وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).
فذهب جماعة الى ان
«لا» في قوله تعالى : (لِئَلَّا) زائدة ، وتشبث المتعرب «ذ ص ٨٠» بكلامهم ليتعرض على القرآن
الكريم بزيادتها ، ولكن الصواب قد اخذ بيد جماعة ففهموا من الآيات ان «لا» غير
زائدة وان الضمير في (يَقْدِرُونَ)