وقوعه ، وهل هناك إلا أن انجيل متى ولوقا لم يذكراه ، فلما ذا لا يقال انهما غفلا عنه كما اهمل كل منهما كثيرا مما ذكره الآخر.
واعترض المتعرب أيضا وقال «ذ» ص ٥٧ : جاء في القرآن ان الله أمر مريم ان تقول كذبا انها نذرت للرحمن صوما فلن تكلم اليوم إنسيا ، وهي لم تكن صائمة بدليل أمره إياها في العبارة نفسها ان تهز إليها بجذع النخلة تساقط عليها رطبا جنيا فتأكل وتشرب وتقر عينا ، وبعد فإن أمره إياها أن تقول انها صائمة لا تتكلم كلام متناقض لأن الصائم لا يتكلم ، فإن قالت ما أمرها بقوله فقد تكلمت.
قلنا : ان للكلام مجاريا ودلالات عرفية التزامية لا يجحدها غير المعاند أو الغبي .. فلا يخفى ان المولى إذا قال لعبده إذا جاءك فلان وأراد منك شيئا فقل له : إني ملتزم لمولاي بأن لا أعطيك ، فان كل من يفهم الكلام يفهم من هذا ان المولى قد أمره في مضمون كلامه بأن يلتزم.
فكلام الله دال بمضمونه على أمر مريم بأن تنذر السكوت ، وأيضا إذا قال المولى لعبده : إذا جاءك أحد فقل له بالقول اللفظي : اني ملتزم بأن لا اكلمك فمعناه الأمر بأن يلتزم أن لا يكلم أحدا بغير هذا القول المتكفل بالبيان ، فيكون هذا القول غير داخل من أول الأمر في الكلام المأمور بتركه بل المأمور بتركه هو ما بعد هذا القول وما عداه من الكلام.
فقول مريم (إِنِّي نَذَرْتُ ...) الخ» غير داخل من أول الأمر في الكلام المأمور بنذر تركه ، هذا إذا كان المراد من القول في الآية الكريمة هو القول اللفظي ، وأما إذا اريد منه الإشارة الى معاني هذه الألفاظ وعبر عنها بالقول مجازا لأجل افادة الإشارة فائدته فلا حاجة إذا الى الاستثناء ، فدعوى التناقض في هذا المقام إنما هي من تناقض السجية ، والبواعث مع دعوى الأدب وحرية الضمير ..
وأيضا ان وقت الصوم المنذور لم يكن هو وقت اكلها من الرطب ، بل كان وقته حينما ترى الناس وترجع إليهم ويسألونها عن شأنها ، فهو غير الوقت