فاعترض المتكلف وقال «يه ج ص ٩٢» وكتاب الله يعلمنا ان زكريا وامرأته كانا بارين وسلما الأمر لله ولم يخشيا من وارث ولا غيره.
قلت : ان انجيل لوقا المتعرض لذكر زكريا يدل بأوضح دلالة على ان زكريا طلب من الله الولد ، حيث يذكر ان الملاك قال لزكريا لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ابنا وتسميه يوحنا «لو ١ ، ١٣».
وقول الملاك «لا تخف لأن طلبتك قد سمعت الى آخره» صريح أو كالصريح في ان زكريا كان خائفا من أمر يرتفع الخوف منه بإجابة طلبته وإعطائه الولد ، وإلا فلا معنى للتعليل .. وهذا من نحو المعنى الذي ذكره القرآن الكريم ان لم يكن هو بعينه ، ولكن المتكلف ان كان ينظر في كتبه اتفاقا فان تحامله على القرآن الكريم يحول بينه وبين واضحاتها ، ولا يضر بذلك إلا نفسه وان القرآن الكريم لم يقل ان زكريا وامرأته لم يكونا بارّين ، بل وصف زكريا بصفات الأبرار ولم يذكر في حقه انه قال لله : لما ذا أسأت ، أرسل بيد من ترسل وإلا فامحني من كتابك ، أو أنه صنع العجل إلها يعبده بنو اسرائيل وبنى مذبحا أمامه ، أو انه زنى بالمحصنة من نساء أصحابه وحاول أن يلصق حملها منه بزوجها المسكين ثم سعى في قتل زوجها وتزويجها ، أو انه ذهب وراء آلهة اخرى وبنى المرتفعات والسواري للأوثان ، أو أنه قال لله حقا انك خداعا «أو ...» بل حكى القرآن عن زكريّا قوله (إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي) ولعله كانت له مداخلات مالية يخاف من مواليه أن لا ينجزوها على حقها إذا اغتنموا ميراثه ، فطلب الولد ليكون هو وليه الذي ينجزها على حقها ، فان الاعتبار والتجربة شاهدان على ان الولد أقرب لتنجيز مهمات والده في وجوه أمواله.
وقد طلب زكريا من الله أن يجعل ولده رضيا ، أو لأن مواليه كانوا من الكهنة الذين طالما ذمهم العهد الجديد ، وكان زكريا يأمرهم بالمعروف واداء حق الكهنوت وحفظ الشريعة واحترام بيت الله فخافهم أن ينقلبوا من ورائه ويعودوا الى سجاياهم فطلب من الله وليا وولدا رضيا يرثه في هداه ووعظه لقومه واداء وظيفة الهدى.