فمن كان يصدر منه هذا فكيف لا يعقل ولا يتصور ان يتعقب أحكام والده ، أم يقول المتكلف ان هيبة داود وسطوته كانت تمنع من ذلك بحيث يكون مما لا يعقل ولا يتصور.
قلنا : فإن كتاب إلهامك يقول : ان ابشالوم بن داود أيضا فعل ما هو من هذا النحو وأعظم وأشنع ، «انظر ٢ صم ١٥ ـ ١٨» ، وانظر من ذلك «١٦ ، ٢٠ ـ ٢٣».
وأما قول المتكلف «وكيف يرضى داود بتغيير الحكم أمام رعيته» ، فليس له ان يفصل القضية فيه بالإنكار ويقول «كيف يرضى» ، بل عليه ان يردد في كلامه ويقول : يبعد من داود عليهالسلام ان يخطأ نفسه ويعدل الى حكم العدل ان صح ما يذكره العهد القديم من فعله مع اوريا وامرأته «٢ صم ١١» واغضائه عن ابنه آمنون وما فعله بأخته «٢ صم ١٣» واغضائه عن ابشالوم ابنه وبكائه وجزعه عليه «٢ صم ٨ ، ٢٩ ـ ٣٣» ، مع ما أشرنا إليه من فعل ابشالوم.
وينبغي لداود أن يعدل الى حكم العدل ، ولا يبالي بتخطئة نفسه ، إذا صح عنه ما ذكره العهد القديم عن قوله الإلهامي ، لأني حفظت طرق الرب ولم اعص إلهي «٢ صم ٢٢ ، ٢٢ ومز ١٨ ، ٢١».
تسبيح الجبال والطير مع داود
واعترض المتكلف أيضا على قوله تعالى في الآية المتقدمة (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ).
فقال : ان الذي خص بالعقل والبيان ، والإعراب عما في الجنان هو الانسان فقط لا الجماد ولا الحيوان ، وقال أيضا «يه ٢ ج ص ١٠٥» ان الجبال والطير لم تسبح ولن تسبح ، وإنما لسان حالها ناطق بحكمة الله وقدرته وجودته.
قلت : قد جاء في الزبور الرائج : تسبحه السموات والأرض والبحار وكل ما يدب فيها «مز ٦٩ : ٣٤» يمجدني حيوان الصحراء الذائب وبنات النعام «١ ش ٤٣ ، ٢٠».