من الله ولا تؤازر جامعة الحق بل طردوا أهواءهم والشح خاسئة مدحورة فآتوا المال راغبين متطوعين لأجل حبهم لله وواسوا به ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وخلصوا به العبيد العانين من أوزار الرق ومذلة العبودية ، وأقبلوا على الله فأقاموا الصلاة بحدودها الشرعية ووظائفها العرفانية وآدابها الأخلاقية ، وآتوا الزكاة في محالها طائعين راغبين لاقامة امر الدين ومهمات الملة ولم تتلاعب أهواؤهم بعهودهم بل هم الموفون اذا عاهدوا ولم يكونوا من الذين جعلوا الدين ونصره ـ لعقا على ألسنتهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون ـ بل كانوا الصابرين في البأساء والضراء وحين البأس ، وهناك تبلى السرائر وتختبر الرجال ، ويعرف الصادق من الماذق ، فاولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون.
هذى المكارم لا قعبان من لبن |
|
شيبا بماء فعادا بعد ابوالا |
ولو انا ذكرنا في الآية الشريفة ما يزعم أهل الصناعة التابعة تقديره لخرج الكلام الى محض التفاضل الفرضي بين الفعل الحسن وغيره وهو امر ساقط الفائدة لأنه من إيضاح الواضحات ، فيضيع الغرض الحميد والمعنى السامي وهو الاطراء بالهداة والمفاخرة بكمالاتهم والاحتجاج بهم ، كما يدل عليه حسن الختام بقوله جلت عظمته : (أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) ولك العبرة بأن جماعة من اهل الصناعة قد قالوا : ان التقدير في الآية الكريمة (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ). الآية وهو اشتباه واضح ، فإن المقام ليس مسوقا لبيان ان البر بر هؤلاء على اجماله ومن حيث هو بر ، بل هو مسوق لبيان ان الذي يستحق ان يسمى برا إنما هو ما نوهت به الآية الكريمة من صفات هؤلاء الصفوة الذين كانوا بفضيلتها هم الذين صدقوا والمتقين حقا ، ومرجع الأمر بعد ما توحى به براعة الاسلوب الى ان البر إنما هو أوصاف هؤلاء المنوه بها.
وبما ذكرنا بعضه من الفوائد والشواهد تعرف شطط المتعرب إذ سمع من أهل الصناعة شيئا ذكروه لاطراد قواعدهم التي لفقوها لأجل الوصول الى عربية القرآن الكريم ومقاصده ، فصار يعترض به على القرآن الكريم «انظر ذ ص ٧٣».