وهذا أيضا من بوادر الغرور ، اما «أولا» فان العهد الجديد كتاب إلهام المتكلف يقول بصراحته : ظهر له ـ أي لموسى ـ ملاك الرب في برية جبل سينا في لهيب نار عليقة «ا ع ٧ ، ٣٠ ـ ٣٥» ، وطابقه مع «خر ٣ ، ٢ ـ ٨».
«وأما ثانيا» فإن التوراة على ما بها لم تقل ان موسى كان حينئذ في الجبل ، بل إنما قالت : وموسى كان يرعى غنم «يثرو» ، فساق الغنم وراء البرية وجاء الى جبل الله حوريب وظهر له ملاك الرب بلهبة نار الى آخره ، ومن المعلوم ان السائر من مكان بعيد يقال له : انه جاء الى الجبل إذا صار قريبا منه وعند سفحه وأودية سيله.
والقرآن يصرح في سورة القصص ٢٩ و ٣٠ بأن الواقعة كانت بجانب الطور من شاطئ الوادي الأيمن.
ولو ان توراة المتكلف تقول ان موسى إذ ذاك كان في الجبل لما صحت بلفظها المعارضة ، وذلك لأجل ما هو المعهود من توسعها الفاحش ، فقد ذكرت ان بني اسرائيل نزلوا في جبل هور «عد ٣٣ ، ٣٧» مع انها تقول في هذا المنزل ان الله أمر موسى ان يصعد بهارون والعازرا الى جبل هور فصعدوا الى جبل هور أمام عين كل الجماعة ، ثم انحدر موسى والعازرا من الجبل ، انظر «عد ٢٠ ، ٢٢ ـ ٢٩».
وهذا كالصريح في ان نزول بني اسرائيل هناك لم يكن في الجبل ، وتقول أيضا الرب إلهنا كلمنا في حوريب قائلا : كفاكم قعود في هذا الجبل «تث ١ ، ٦» مع انها تذكر ان نزول بني اسرائيل كان في برية سينا مقابل الجبل ، وكان ارتحالهم من تلك البرية أيضا ، انظر «خر ١٩ ، ٢ وعد ١٠ ، ١٢ ، و ٣٣ ، ١٥ و ١٦» ، وتقول أيضا : عن حكاية خطاب موسى لبني اسرائيل في اليوم الذي وقفت فيه أمام الرب إلهك في حوريب ، مع انها تقول : فتقدمتم ووقفتم في أسفل الجبل «تث ٤ ، ١٠ ـ ١٢» ، وفيها من هذا النحو من التوسع شيء كثير.
ولو ان توراة المتكلف أيضا تصرح وتقول : ان موسى عليهالسلام كان حينئذ على قنة الجبل لما كان ذلك ضائرا بأي تاريخ يعارضها فضلا عن القرآن