وغاية ما عند المتعرب «ذ» ص ١ ـ ١٠ هو محض الهوسات في التكذيب للمؤرخين ، واستغراب بعض التفاصيل المنقولة عن بعض الناس مما لا يعود شيء منه على جلالة القرآن الكريم.
ومرجع كلام المتكلف وأعوذ بالله من وبال بيانه ، هو ان خزانة رحمة الله ولطفه وعدله وهداه وإرادة الصلاح بعباده ، ودعوتهم الى التوحيد والهدى والكمال ، قد كانت محجورا عليها ، ممنوعة بالقهر من أن يرشح من نداها شيء على العباد ، أو ان الحرص ضرب عليها اقفالا ختمها بخواتيم المحاباة لبني اسرائيل ورصدها بحراسة الشح ، فبقيت عباد الله هملا فوضى بلا معارف نبوّة ، ولا دعوة توحيد ، ولا نور هدى ، ولا تكميل تعليم ولا لطف تهذيب ، ولا فيض رحمة ، ولا بركة نعمة ، ولا مدنية أحكام إلهية ، ولا سياسة شريعة ، يعاقبون بلا حجة ، ويوبّخون بلا بيان ويوصفون بالظلم بلا شريعة تميّز الحقوق وتحفظها بالسياسة ، إلى أن ارتفع ذلك الحجر من نحو خاص وتفصّمت تلك الأقفال ، وانصرفت الحراس من جهة واحدة فانهطل وابل النبوة على اسرائيل وبنيه سحا بلا ميزان ، ولا رعاية أثر ، ولا مراعاة حكمة ، ولا دعوة عامة ، ولا بركة شاملة ، ولا هدى فائض ، فلذلك اتفق لها بمقتضى نقل التوراة الرائجة أمر عجيب قد فاتته الموفقية وجانبته الحكمة ، فلم تذكر التوراة في نبوة ابراهيم إلا الوعد بالبركة وكثرة النسل ، وإعطاء قطعة من الأرض لهم ، وعهد الختان الذي أبطله العهد الجديد ، وتنفيذ أوامر سارة ، ولم تذكر في نبوة اسحاق إلا الوعد بتكثير نسله وإعطائه قطعة من الأرض ، ولكنها لم تذكر ان أمره لولده عيسو أن يصنع له طعاما كما يحب ليأكل ويبارك عيسو قبل ان يموت.
وان اشتباهه بمخادعة يعقوب إذ باركه بعد ما أكل وشرب خمرا ، هل كان هذا كله بوحي ونبوة أم لا؟ نعم ذكرت ان يعقوب اختلس بركة النبوّة وعهدها بالمخادعة والتزوير ، واحكم أمرها بالمضارعة والجهاد مع الله تعالى شأنه.
والحاصل لم تذكر التوراة في نبوة هؤلاء الأنبياء ولا الذين من قبلهم كتاب هدى ورحمة ، أو نبوة بالدعوة الى التوحيد والكمال ، أو بتمهيد شريعة أدبية ، أو تأسيس قوانين مدنية وإصلاح للاجتماع.