كان بعد خلق الارض ، فزعم انه منقوض بقوله تعالى في سورة النازعات ٢٧ (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها ٢٨ رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ٢٩ وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها ٣٠ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها ٣١ أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها ٣٢ وَالْجِبالَ أَرْساها ٣٣ مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ).
قلت : منشأ توهّم المتعرب في زعمه هذا أمران «أحدهما» توهمه ان قول الله جل شأنه : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) معطوف ومرتب على قوله تبارك اسمه : (وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) وليس كما توهم ، بل انه معطوف على قوله تعالى : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ).
«وثانيهما : توهمه ان قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ، بمعنى أنشأ خلقها ، وليس كما توهم ، بل ان معنى قوله تعالى : (دَحاها) مهّدها وأعدّها للسكنى وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها وأخرج منها مائها ومرعاها متاعا للناس ولأنعامهم.
ولو اعتمدنا على الهيئة الجديدة لفهمنا من قوله تعالى : (دَحاها) انه سخرها للحركة الاينية في الدوران على الشمس بعد أن خلق الشمس في جملة السموات وأودع فيها القوة الجاذبة فيكون قوله تعالى : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) حالا من الضمير البارز في (دَحاها) ، كما انه يكون على المعنى الأول بدلا من قوله تعالى : (دَحاها).
فيكون حاصل الآيات السابقة هو ان الله جلت قدرته خلق الأرض وأنشأها في يومين ثم استوى الى السماء فسواهنّ سبع سماوات في يومين ، وخلق الأرض وجعل فيها رواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة تامة في العدد وإن كانت مفصولة بوقوع خلق السموات بين خلق الأرض وبين البركة فيها وتقدير أقواتها.
ومما يرشد من نفس الآيات الى أن يومي خلق الارض مفصولان عن يومي البركة فيها وتقدير أقواتها هو قوله تعالى : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) أي أربعة تامة العدد فيما يتعلق بالأرض وإن كانت مفصولة بخلق السموات كقوله تعالى في