سورة المؤمنون
وهي مائة وثماني عشرة آية أو تسع عشرة آية
الجزء الثّامن عشر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) بالايمان الخاصّ والبيعة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة فانّ المؤمن بمعنى المسلم ان كان واقفا على إسلامه غير سألك أو واصل الى الايمان لم يكن له فلاح ولم يكن منفعته سوى المنافع الرّاجعة الى الدّنيا من حفظ الدّم وجواز التّناكح والتّوارث والمعاملة نحو معاملة المسلمين من عدم جواز غيبته وهتك عرضه وغير ذلك ، والتّوصيف بالأوصاف الآتية يدلّ على ارادة الايمان الخاصّ (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) الصّلوة بمعنى الدّعاء اى دعاء الله للحضور عند الدّاعى وبمعنى كلّ ما به يدعى الله من فعل أو قول أو هيئة أو فكر أو تخيّل ولمّا كانت الصّلوة المشروعة القالبيّة مركّبة من هيأت وافعال وأقوال كلّها ما به يدعى الله للحضور عنده سمّيت صلوة ، وكذلك الذّكر المأخوذ من صاحب الاجازة سواء كان جليّا أم خفيّا ، وهكذا الفكر المصطلح للصّوفيّة من تمثّل ملكوت الشّيخ عند السّالك سواء كان بتعمّل من السّالك أو بغير تعمّل منه ، ولمّا كان المقصود من دعاء الله باىّ صورة كان دخوله في بيت قلب الدّاعى أو حضور الدّاعى عنده ، وحضور السّالك عند الله لا يكون الّا بكسر انانيّته والخروج من وجوده ولا يكون ذلك الّا بالمحبّة لله واستشعارا لهيبته منه قال الّذين هم في صلوتهم خاشعون لانّ الخشوع حالة حاصلة من محبّة من يخشع له واستشعار الهيبة منه ولا تكون هذه الحال الّا مع كسر انانيّة الخاشع فلو لم يخشع الدّاعى في دعائه كان دعاؤه لغوا فالمصلّى بالصّلوة القالبيّة الشّرعيّة لمّا كان قيامه في الصّلوة قيام من يقوم عند الملك المقتدر ، وتكبيره إظهارا واستشعارا بعظمة الله بمعنى ان ليس في ذكره سوى الله ولذلك سمّى بتكبيرة الإحرام وكان أقواله كلّها دعاء وتضرّعا على الله وركوعه وسجوده تواضعا لعظمة الله كان هذا العمل منه لغوا واستهزاء بالله ان لم يكن حاله موافقا لفعله ، ولذلك عقّب قوله الّذين هم في صلوتهم خاشعون بقوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) مقدّما على قوله (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) مع انّ الأنسب بذكر الصّلوة ان يكون الزّكاة عقيبها ، واللّغو فعل أو قول لا يعتدّ به ولا يترتّب عليه فائدته المطلوب منه ، ولمّا كان فائدة الصّلوة الخروج من الانانيّة والعروج الى الملكوت والحضور عند المعبود وكان الاشتغال بالغير والتفات الخيال الى الكثرات منافيا لتلك الفائدة ومسقطا لها كان الصّلوة بهذه الحال لغوا ، فعلى هذا كان قوله : (الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) تأكيدا لمفهوم قوله (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) ، وقد سبق في اوّل البقرة تفصيل تامّ للصّلوة وأقسامها والزّكاة وأنواعها ، واللّام