لا تقدر على شيء (إِنَّ اللهَ) في مظهر خليفته الّذى هو علىّ (ع) (لَقَوِيٌ) ذو قدرة على اىّ مقدور أراد (عَزِيزٌ) لا يمنعه مانع من مراده فكيف تشركون بهذا القوىّ العزيز مثل هذا الضّعيف العاجز الّذى لا يمنع مثل الذّباب عن السّلب منه ، ولو لم يكن هذا التّمثيل مرادا وكان المراد انّ الأصنام الّتى تلطّخونها بالزّعفران لا تقدر على خلق مثل الذّباب وان يسلبها الذّباب الزّعفران لا يستنقذوه منه لما كان لقوله ضرب مثل فاستمعوا له مساغا ، وعلى ما ذكرنا لم يكن حاجة الى تأويل في قوله ضرب مثل ولا بيان لقوله ضعف الطّالب والمطلوب وقد أشير في الخبر الى ما ذكرنا (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) يعنى انّ اصطفاء الرّسل (ع) سواء كانوا من الملائكة أم من النّاس مقصور على الله فما لكم لا تكلون امر الخلافة الّتى هي رسالة من الله الى الله وتختلقون بآرائكم خليفة (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) بأقوال جميع العباد من الملائكة والنّاس فله ان يصطفى للرّسالة لانّه يسمع ما يقوله الرّسول والمرسل إليهم (بَصِيرٌ) بدقائق مكمونات الكلّ فلا يخفى عليه شيء من المكمونات حتّى تقع خيريّة على غير الأصلح ويقع الخطاء في اختيار الخليفة بخلافكم ، ويجوز على ما فسّرنا الآية السّابقة ان يفسّر هذه الآية هكذا الله في مظهر خليفته الّذى هو علىّ (ع) يصطفى من الملائكة رسلا مرسلا الى الأنبياء والأوصياء (ع) والى العوالم من عالم الطّبع والملكوتين لتدبير أمورها وقضاء ما يلزم قضاؤه ، ومن النّاس رسلا الى العباد من الأنبياء والرّسل ومن أوصيائهم ومشايخهم انّ الله في مظهر علىّ (ع) سميع بصير ، وقد تكرّر فيما مضى انّ عليّا (ع) بعلويّته هو المشيّة وهي تسمّى بوجهها الى الخلق بعلىّ (ع) وبوجهها الى الغيب بالله (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) يعنى يعلم في مظهره الّذى هو علىّ (ع) ما بين أيديهم اى ما بين أيدي النّاس أو ما بين أيدي الملائكة والنّاس من الدّنيا أو الآخرة أو من الماضي أو المستقبل (وَما خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللهِ) في مظهره (تُرْجَعُ الْأُمُورُ) وقد ورد في خطبة منه (ع) إياب الخلق الىّ وحسابهم علىّ ثمّ نادى عليّا (ع) ورسله الّذين هم المؤمنون حقيقة تلطّفا وتشريفا لهم وتفخيما لشأنهم بذكر اوصافهم الفخيمة وفضله العظيم بالنّسبة إليهم فقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا) ركوع الصّلوة أو تواضعوا لربّكم (وَاسْجُدُوا) سجدة الصّلوة أو تواضعوا غاية التّواضع لربّكم (وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ) اى اخرجوا من انانيّاتكم بركوعكم وسجودكم وصيروا أحرارا من عبوديّة أنفسكم وعبيدا لربّكم (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) قد مضى مكرّرا انّ التّرجّى من الله واجب. اعلم انّ الآية الشّريفة اشارة الى مراتب السّالكين وأسفارهم فانّ أسفارهم وان كانت لا حدّ لها ولا نهاية لكنّها بحسب الامّهات محصورة في اربعة كما أسلفنا ذلك مكرّرا ، الاوّل السّفر من الخلق الى الحقّ وفي هذا السّفر ينكسر الانانيّة الّتى هي من الخلق بحيث لم يبق نسبة الفعل الى نفس السّالك بل يرى الفعل من الفاعل الظّاهر في وجوده وحينئذ ينتهى سفره من الخلق الى الحقّ ، وبعد هذا يكون السّفر من الحقّ الى الحقّ وفي هذا السّفر ينكسر انانيّته الّتى هي رؤية الوجود لذاته ورؤية ذاته وما دام ذاته تكون باقية يكون سفره من الحقّ الى الحقّ ولم يكن عبدا لبقاء انانيّة ما عليه فاذا انتهى في هذا السّفر بحيث لم يبق له ذات واثر من ذاته صار عبدا لله فانيا من ذاته ويكون سفره بعد ذلك في الحقّ ، فان أدركته العناية الالهيّة وأبقاه بعد فنائه يصير محسنا وفاعلا للخيرات فانّه في السّفر الاوّل والثّانى بواسطة بقاء الانانيّة لم يكن فعله خيرا على الإطلاق ، وفي السّفر الثّالث لم يكن فعله منه حتّى يكون فاعلا لشيء وفي هذا السّفر وهو السّفر بالحقّ في الخلق يكون له انانيّة بانانيّة الله وفاعليّة بفاعليّة الله ويكون فعله خيرا على الإطلاق والى هذه الاربعة أشارت الآية فانّه تعالى أشار بقوله : (ارْكَعُوا) الى السّفر من الخلق الى الحقّ ، وبقوله : (اسْجُدُوا) الّذى هو خروج من الانانيّة حتّى من