جميع ما في الصّحف الاولى من العقائد والأخلاق والعبادات والسّياسات والحال انّ محمّدا (ص) أمّيّ لا يعرف كتابا وما اختلف الى عالم يعلّمه الكتب الماضية يعنى لا يريدون بقولهم هذا الدّلالة على صدقه وقبول نبوّته بل يريدون إلزامه امرا يعجز عن الإتيان به أو الاستهزاء به (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) اى من قبل محمّد (ص) أو القرآن أو من قبل الاحتجاج بمحمّد (ص) وكتابه (قَبْلِ) ادلوا حجّتهم علينا و (لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً) يدعونا إليك وينبّهنا من غفلتنا ويخرجنا من جهلنا (فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) اى رسلك وخلفاءك وكتبك وأحكامك (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَ) نهون بالعذاب في الدّنيا (وَنَخْزى) في الآخرة ، أو من قبل ان نذلّ في الانظار ونخزى في أنفسنا ، أو من قبل ان نذلّ ونستحيى من أعمالنا عندك (قُلْ كُلٌ) منّا ومنكم (مُتَرَبِّصٌ) لما نؤل اليه ولما يظهر من العاقبة (فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِ) منّا ومنكم اى سيظهر عليكم من كان من أصحاب الصّراط وكائنا في الصّراط اعنى المتحقّق بالولاية وصاحب القلب (وَمَنِ اهْتَدى) الى الصّراط وصار مقامه مقام إلقاء السّمع واكتفى بمفهوم المخالفة عن التّصريح بمخالفه يعنى من لم يكن كذلك.
سورة الأنبياء
مكّيّة كلّها وهي مائة واثنتا عشرة آية
[الجزء السّابع عشر]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(اقْتَرَبَ) قرب منه ككرم وقربه كسمع واقترب بمعنى لكن في اقترب معنى المبالغة (لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) نسبة القرب والبعد الى الأفعال ليست الّا باعتبار أوقاتها ، ووقت الحساب هو وقت القيامة ، ولمّا كانت القيامة واقعة في طول الزّمان لا في عرضه وكانت مقوّمة له لا من أبعاضه لم يكن قربها وبعدها بحسب الزّمان بل كانت قريبة من الزّمان وان كانت الزّمانيّات متفاوتة النّسبة إليها بانّ بعضها يكون قريبا منها وبعضها بعيدا ولهذا التّفاوت قال (ص) : بعثت انا والسّاعة كهاتين ، بخلاف سائر الأنبياء (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ) عن الحساب وعن التّهيّؤ له (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ) للحساب (مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) في باطنهم بزجر الملك الزّاجر ونهى العقل النّاهى والواردات النّفسانيّة من الهموم والغموم والمنامات المنذرة والمبشّرة ، وفي الخارج بالواردات الخارجة من الابتلاءات والامتحانات والدّوائر الدّائرة الّتى قلّما يخلوا الإنسان منها ، وبتذكيرات الأنبياء والأولياء (ع) والعلماء رضى الله عنهم من الإنذارات والتّبشيرات (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ) بآذانهم الباطنة أو الظّاهرة (وَهُمْ يَلْعَبُونَ) به بان يجعلوه كالاسمار الّتى لا حقيقة لها