وانّ الولاية هي دليل المعرفة ، وانّ الرّسالة وأحكامها حجاب الله تدلّ على لزوم الاهتداء الى الامام (ع) ، والاخبار الدّالّة على وجوب النّفر بعد وفاة الامام (ع) وانّ النّافرين في عذر ما داموا في الطّلب ، والمنتظرين في عذر ما داموا في الانتظار تثبت المدّعى ، والاخبار الدّالّة على منع التّفسير بالرّأى ومنع العمل بالرّأى ومنع الرّأى والقياس ترشد اليه ، (وَما أَعْجَلَكَ) عطف على قوله تعالى : يا بنى إسرائيل فانّه على كونه حكاية قوله تعالى الماضي كان بتقدير القول كأنّه قال : قلنا يا بنى إسرائيل ، وقلنا ما أعجلك ، أو عطف على كلوا سواء كان النداء الاوّل للماضين أو للحاضرين كأنّه قال : أنجيناكم من عدوّكم قائلين كلوا وقائلين ما أعجلك (عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى) قيل : كانت المواعدة ان يوافي الميعاد هو وقومه ، وقيل : مع جماعة من وجوه قومه فتعجّل هو وسبقهم الى الميقات وهم كانوا على اثره جائين الى الميقات ، وهذا موافق لظاهر قوله (قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي) أو كان المواعدة ان يوافق هو وقومه وسبقهم موسى (ع) وخلّف عليهم هارون (ع) فتخلّف القوم من اوّل الأمر عن اللّحوق به ، أو المعنى ما أعجلك الى الميقات مفارقا عن قومك ومتجاوزا عنهم فانّ بقاءك بينهم وتوجّهك إليهم يحفظهم من شرّ الشّيطان ويبقيهم على الدّين ، ورفعك يدك عنهم يخلّ بهم ويفسدهم ، وعلى هذا كان معنى قوله تعالى : قال هم أولاء على اثرى هم باقون على سنّتى وكأنّه (ع) خرج من غير تعيين الله وقتا للميعاد ولم ينتظر (ع) تعيين الله فلامه تعالى وأنكر عليه تعجيله ورفع يده عن قومه في غير وقته فأجاب (ع) عن رفع يده عنهم بانّهم باقون على سنّته أو جاءون على عقبه يعنى ما عليهم من بأس من رفع يده عنهم خصوصا مع استخلاف هارون عليهم ، وقدّم الجواب عن خروجه من بين القوم لانّ النّبىّ شأنه الاهتمام بأمر القوم ومراقبة أحوالهم ، ورفع اليد عنهم والخروج من بينهم خلاف شأن نبوّته ، واللّوم عليه فيه اشدّ من كلّ شيء وأجاب عن عجلته بانّ العجلة كانت للشّوق الى رضا ربّه لا من غمّ الوقوف في قومه ومن هوى نفسه بطلب كونها مرضيّة عند ربّه والاوّل مرضىّ للربّ مقبول ، والثّانيان مبغوضان غير مقبولين فقال (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى قالَ) الله تعالى (فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ) اى من بعد خروجك من بينهم يعنى صار عجلتك سببا لفتنة قومك باستحقاقهم لذلك باختيارهم الغواية لعدم كونك فيهم وعدم بقاء حافظيّتك لهم وقد مضى في سورة البقرة وسورة الأعراف حكايتهم وحكاية السّامرىّ وعجله (وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ) يعنى أضللناهم بسبب السّامرىّ لكنّه أسنده الى السّامرىّ للاشعار بصحّة نسبة الإضلال الى السّبب مثل صحّة نسبته الى الفاعل ولانّه أفاد بنسبة الفتنة الى نفسه نسبة الإضلال الى نفسه (فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً) وانّما غضب لله لانحرافهم عن الله وتحسّر عليهم لابطالهم بضاعتهم الّتى هي الايمان لانّ كلّ نبىّ أب شفيق لامّته والامّة أولاد اعزّاء عليه وايمانهم بمنزلة الصّحّة الكاملة لهم ، ونقصان ايمانهم وبطلانه بمنزلة المرض والهلاكة وحال النّبى في الصّحّة والمرض والهلاكة لامّته حال الأب الشّفيق بالنّسبة الى أولاده بل اشدّ منه بمراتب عديدة (قالَ يا قَوْمِ) إشفاقا عليهم (أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) بان أخبرتكم بوعده وانّه وعدني إعطاء التّوراة الّتى فيها جميع ما تحتاجون اليه (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) المراد بالعهد الوعد المذكور اى أفطال مدّة الوعد؟ أو المراد به عهد الملاقاة اى أفطال عليكم فراق العهد؟ فأسقط الفراق لوجود القرينة (أَمْ أَرَدْتُمْ) بل ليس الأمر كذلك وأردتم (أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) استعمال الارادة في ما لا يراد أصلا اشعار بانّ أعمالكم آثار ارادة ما لا يريده عاقل وكناية عن عدم العقل والشّعور (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) الأخلاف في المستقبل كالكذب في الماضي والمعنى أخلفتم عن الطّور