مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ) من بعد الله أو من بعد الزّوال (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً) فلذلك لا يعجل في عذاب الشّركاء وعابديهم (غَفُوراً) يغفر لمن تاب منهم (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) يمينا غليظا (لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) من اليهود والنّصارى وهذا ديدن النّساء وكلّ من كان على شيمتهنّ بان يقولوا : لو كان كذا لكان كذا ، فيمشون ويعيشون على قول : لو كان كذا ، قيل : انّ قريشا لمّا بلغهم انّ أهل الكتاب كذّبوا رسلهم (ع) قالوا : لعن الله اليهود والنّصارى لو أتانا رسول لنكوننّ أهدى من احدى الأمم (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) يعنى محمّدا (ص) (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) عن النّذير فضلا ان يكونوا مهتدين أو أهدى (اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ) مفعول له (وَمَكْرَ السَّيِّئِ) عطف على استكبارا أو هما مصدران وفعلاهما محذوفان (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) لانّ الماكر حين يمكر ليس الّا سخريّة للشّيطان ومحاطا به ومحكوما له ، والدّخول تحت حكومة الشّيطان عذاب عاجل لانسانيّة الإنسان قبل وصول مكره الى الممكور ، وبعد وصول مكر الماكر الى الممكور يكون ارتفاعا للممكور امّا في الدّنيا والآخرة ، أو في الآخرة ، وتنزّلا للماكر فيهما أو في الآخرة فقط (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) اى ينتظرون (إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) في الرّسل والمكذّبين الماكرين بتعذيبهم واحاطة وبال مكرهم بهم (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) عن المستحقّ الى غير المستحقّ (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) حتّى يشاهدوا آثار الرّسل وآثار مصدّقيهم ومكذّبيهم (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) فيعتبروا بهم ويتأسّوا بالمصدّقين ويجتنبوا عن مثل افعال المكذّبين وأقوالهم وقد مضى مكرّرا تفسير الأرض والسّير فيها بأرض القرآن والاخبار والسّير الماضية وبأرض العالم الصّغير (وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) فهؤلاء اولى لضعفهم بان يجتنبوا عن مثل أفعالهم (وَما كانَ اللهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ) عن إنفاذ امره وإمضاء سنّته (فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً) بجملة الأشياء فيعلم تكذيب المكذّب واستكباره ومكره وتصديق المصدّق وتسليمه (قَدِيراً) على ما يريد (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ) كأنّه توهّم متوهّم انّ الله ان كان عالما بهم وقديرا على مؤاخذتهم فلم لا يؤاخذهم؟! فعطف قوله ولو يؤاخذ الله (النَّاسَ بِما كَسَبُوا) رفعا لذلك التّوهّم (ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها) اى ظهر الأرض (مِنْ دَابَّةٍ) بشؤم اعمال بنى آدم ومؤاخذة دوابّ الأرض بمؤاخذتهم (وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) فيجازى كلّا بأعماله ولا يفوت أحد منه.
سورة يس
مكّيّة كلّها ، وقيل : الّا آية منها وهي قوله : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ) (الآية) نزلت بالمدينة وهي ثلاث وثمانون آية ، وقد ورد في فضلها اخبار كثيرة وانّها قلب القرآن ، وعن ابى عبد الله (ع) انّه قال : من قرأ سورة يس في عمره مرّة كتب الله له بكلّ